تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإسلام باقتطاع جمل من سياقها وأحالوا القارئ الى نصوص ثانوية مروية في ضوئه. وأحيانا حولوا اسم علم معين وتجاهلوا السياق كلية. مثلما فعلوا مع اسم عمران. حيث افترضوا أن اسم أبي طالب عمران، خلافا للمشهور عند الأمة من كونه عبدمناف لتكون الآية إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين بأنها الأئمة من بني فاطمة-أبي طالب والقائل بهذا لا يهمه أن تكون الآية التي تليها إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني ... فهذا عمران آخر!!!! وإنه والحق يقال لما لم تستطع الثقافة المعارضة لثقافة الأمة أن تغير النص القرآني الذي حفظه الله رغم أنها حاولت وما تزال تحاول ذلك فقد اضطرت للتنفيس عن أيديولجياها الغول إلى (تحريف السياق). وقد أثبت علم الدلالة المعاصر أن تحريف السياق أكثر تغييرا للمعنى من تحريف النص نفسه. فالسياق وحدة دلالية ولا ريب. وهذا (التحريف) أمر كان سهلاًحين عدت الجملة أكبر وحدة دلالية، لكنه اليوم مستحيل مع القفزة التي وصلها علم الدلالة المعاصر. لكن مع ذلك فقد رفض العلماء الأجلاء تحريف السياق منذ القدم وصدرت عنهم لفتات رائعة هنا وهناك، وخير دليل على إدراكهم الضمني لمعنى السياق اقتراب ما أنتجوه من تفاسير من المعنى المتحصل من ترابط السياق الى اليوم. وقد كان لاختلاف مواقف العلماء من قبول الأخبار الثانوية أو من درجة قبولها فضل على الدراسات التفسيرية، فالزمخشري أتانا بعبقرية في التفسير وهو (علم ترابط الجمل) وهذا العلم هو أهم عمل وقعت عليه عيني في أهمية السياق. والخلاصة في ضوء كون التفسير هو علم فهم معاني القرآن على مراد الله أو كما فهمه النبي وصحبه فهو بهذا المعنى (علم دلالة القرآن)، ولما كان السياق اللغوي هو وحدة دلالية عند جميع علماء اللسانيات المعاصرين كان علم السياق القرآني أهم وحدة (تفسيرية) إذ يمكن أن ننقل الترتيب التصاعدي للوحدات الدلالية (كلمة -عبارة-جملة-سياق) إلى علم التفسير فنقول: الوحدة التفسيرية الصغرى هي الكلمة القرآنية: ولضبط هذه الوحدة نحصر مراجعها في علم المعاجم ومعاني الكلمات ومفردات القرآن، وكتب التصريف والصرف لأنه علم الصيغ، وكتب علم معاني الأدوات فهو جزء من علم النحو. والوحدةالتفسيرية الثانية (العبارة أو شبه الجم في القرآن) فكانت تدرس في كتب النحو وفي حقل الإضافة أيضا من تلك الكتب والوحدة التفسيرية الثالثة هي الجملة القرآنية، وهذه مراجع دراستها جميع كتب النحو والتفاسير خصوصا تلك التي تركز على النحو في منهجها. أما الوحدة التفسيرية الرابعة فهي السياق والمرجع في فهم السياق القرآني هو علم ترابط الجمل ومرجعه تفسير الزمخشري، وعلم النظم والبلاغة بكتبها المعروفة. ولا يضير السياق القرآني ما روي ووضع من نصوص سعت الى حرفه عن ترابطه وبذلك تحويل معناه عن ظاهره، ولكنها بحاجة اليوم إلى إعادة تقويمها على حسب اقترابها من المعنى المتحصل من ترابط الجمل داخل السياق وبعدها عنه. وربط السياق اللغوي بواقعه التاريخي يحوج المفسر لهذه الوحدة التفسيرية العودة إلى كتب التاريخ بمعناه العام بما فيها كتب الحديث والسير والمغازي، لكنه عند هذه المرحلة يكون قد دخل الوحدة التفسيرية الكبرى (الخامسة) وهي (السياق الحضاري -التاريخي-الاجتماعي) للنص القرآني، وهذه الوحدة مرجعها الدراسات الفكرية والفلسفية التي تتخذ النص القرآني مرجعا في تفسير الحضارة والتاريخ وتقوم بتوظيف قراءات ومصادر فهم الطبيعة والتاريخ وبيانات تستمدها من التجربة السيرية لصاحب الرسالة، وهي بهذا المفهوم جميع ما يكتبه المسلمون في الدفاع عن الإسلام. وبشأن تحديد مدى علمية هذه المراجع الأخيرة، على أي أساس؟ بالتأكيد على أساسين أولهما ترابط مقاصد الشريعة وقيم الإسلام في ضوء تصحيحه للمسيرة الدينية لأهل الكتاب، وفي ضوء بيان حقيقة التوحيد في كونه عقيدة شمولية تملأ فجوات فكر الإنسان وتحترم إنسانيته وتحققها بعبادته لله الواحد الأحد. وعلى ذلك يكون العالم بمفردات القرآن والمعاجم: مرجعنا في فهم الوحدة التفسيرية الأولى يششاركه في ذلك العالم بوظائف الكلمات القواعدية ومعانيها، وتحولات صيغ الأفعال ومعاني الزيادات. ويكون العالم بالنحو المُغني لفهمه لكتب النحو في التراث بقراءات لسانية معاصرة مرجعنا في الوحدة التفسيرية الثانية والثالثة ويكون عالم البلاغة وعِلم ترابط الجمل والمحيط بأسباب النزول الناقد لها في ضوء منهج المحدثين مرجعنا في الوحدة التفسيرية الرابعة. وفي أقصى حدودها يكون المؤرخ المختص بتاريخ جزيرة العرب في القرن السابع للميلاد، المركز على السيرة النبوية مرجعا ضروريا. وأما المرجع للوحدة التفسيرية الخامسة فهو كل ما يكتب في الدفاع عن العقيدة الإسلامية. لأنها هي السياق الحضاري العام لورود القرآن. وأما الأساس الثاني فهو ضرورة اعتبار السيرة النبوية بنية موحدة مع تجربة الخليفتين تقاس في ضوئها البنى التاريخية وتعد القيم السائدة في السيرة النبوية، والتجربة الإنسانية هي المهيمنة في الحكم على التاريخ ومسيرة الحضارت. هذه الضوابط لكي ترتب المعاني والأفكار بحسب اقترابها من المعنى المتحصل من ربط القرآن بسيرة النبي وبما ثبت من طريقة فهم الصحابة له. وهيهات أن يحيط بالوحدات التفسيرية الخمس رجل واحد ولكن يمكن رسم المخطط العام للمقاربة العلمية في التفسير والله من وراء القصد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير