تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويعلل ابن جني مذهب الأخفش بأنه هرب من القول بتقديم اللام (34). يذهب الأخفش إلى أن همزة (شيء) حذفت من جمعه وتابعه في ذلك من البصريين الزيادي (35). قال المازني"وكان أبوالحسن يقول: (أشياء: أفْعِلاء)، وجُمِع (شيءٌ) عليه، كما جمع (شاعر) على: (شُعراء) ولكنّهم حذفوا الهمزة التي هي لام الفعل استخفافًا وكان الأصل: (أشْيِئاء) فثقل هذا فحذفوا" (36). ونظير هذا ما ينقله ابن جني قال:"وحكى الفراء عنهم: (بُرَاءُ) غير مصروف، وقال: يريدون به: (بُرَءَاء) وحذفوا اللام، فهذا القول يؤنس بقول الأخفش في حذف الهمزة من (أشْيِئاء) " (37).

ولهذا القول الذي يقوله الأخفش مشكلاته، وذلك أن جمع (فَعْل) لا يكون على (أفْعِلاء)، ومثله (فاعل) فهو لا يجمع على (فُعَلاء) (38)، وإنما (أفْعِلاء، وفُعَلاء) جمع لفَعِيل، وهذا معنى قوله "وكلاهما جمع لفَعِيل"،ومع ذلك جمع شاعر على شُعراء، وجمع سَمْح على سُمَحاء خلافا للقياس، وعليه يمكن أن يقاس قياسًا شكليًّا جمع شيء: فَعْل على أشْيِئاء: أفْعِلاء. وينبغي أن نقول إنّ المحذوف حسب قول الأخفش كسرة وهمزة لا الهمزة وحدها. ولعلهم أهملوا الإشارة إلى هذا لوضوحه.

أما العُكْبَري فقد تنبه إلى مشكلة الكسرة، نقل عنه (السمين الحلبي) أن الياء فتحت لتسلم ألف الجمع فصار وزن أشْياء: أفْعاء (39).

ومن مشكلات فرضية الأخفش تصغير (أشياء) وهو مدار مناقشة المازني:"قال أبوعثمان: فسألته- يعني أبا الحسن- عن تصغيرها، فقال: العرب تقول (أُشَيَّاء) فاعلم؛ فيدعونها على لفظها. فقلت: فلِمَ لا رُدَّت إلى واحدها. كما رُدَّ شُعراء إلى واحده؟ - فلم يأْت بمقنع! " (40).

المشكلة هنا أن الأخفش جعل أشياء على بناء من أبنية الجمع الدالة على الكثرة وليس للمفرد جمع قلة؛ لذلك لا مفر من ردّ الجمع إلى الواحد لتصغيره ثم جمعه فيقال: شُيَيْئات كما قيل شُوَيْعِرون؛ ولكن العرب صغرت أشياء على لفظها (أُشَيّاء)، وفي هذا دليل على أنها ليست على بناء جمع دال على الكثرة مثل أفْعِلاء. (41) وقد حاول أبوعلي الفارسي أن يجد مخرجا للتصغير فقال إنها صغرت هذا التصغير لأنها جاءت بدلا من أفْعال (42). ولم يقبل ابن الشجري قول أبي علي وأتى بقول آخر، قال:"وأقول: إنَّ الذي يجوز أن يُستدلَّ به لمذهب الأخفش، أن يقال: إنما جاز تصغير أفعِلاء على لفظه، وإن كان من أبنية الكثرة، لأن وزنه نقص بحذف لامه فصار أفْعاء، فشبَّهوه بأْفْعال، فصغَّروه" (43).

ودفاع ابن الشجري يعتمد على حقيقة واضحة وهي أن نقصان اللفظ يغير تصغيره ويجتلب حكمًا جديدًا ونظيره تصغير (سَماءٍ) فهي وإنْ كانت رباعية الحروف فإنها لا تصغر على (فُعَيْعِل) لأنّ هذا يؤدي إلى اجتماع ثلاث ياءات؛ لذلك حذف منه حرف فصار ثلاثيًّا، فصغر على (فُعَيْل)، واجتلبت له تاء التأنيث؛ لأن الثلاثي المؤنث تلحقه التاء عند التصغير. ولكن دفاع ابن الشجري يعيبه أنه ينطلق من فرضيتين غير مسلمتين: إحداهما أن البناء هو (أفْعِلاء) وهو موضع النِّزاع، والأخرى التشبيه بـ (أَفْعالٍ)، وهو أمر رُدَّ به قولُ الكسائي الذي سيُذكر لاحقًا.

بعض مشكلات مذهب الأخفش هي التي دعت الفراء أن يحاول معالجة القول ببديل جذريّ يحافظ على القول بالحذف.

ثانيا: قول الفراء

وهو موافق لقول الأخفش مخالف له في بعض التفاصيل، لذلك ينسب بعض المصنفين القول إلى الأخفش والفراء والزيادي دون تفريق (44). قال الفراء:"ولكنا نرى أن أشياء جُمعت على أفعِلاء كما جمع ليِّن وأَلْيناء، فحذف من وسط أشياء همزة، كان ينبغي لها أن تكون (أَشْيِئاء) فحذفت الهمزة لكثرتها". (45) ونجد لرأي الفراء هذا مزيدًا من البسط عند ابن جني قال:"وأما الفراء فذهب إلى أنَّ (أشْياء: أفْعِلاء) محذوفة اللام- كما رأى أبوالحسن- إلا أنه ادّعى أنّ (شَيْئًا) محذوف من: (شَيِّئٍ) كما قالوا في (هيِّن: هيْن) فكما جمعوا (هيِّنًا) على (أفْعِلاء)، فقالوا: (أهْوِناء) كذلك جمعوا (شَيْئا) على (أفْعِلاء) لأنّ أصله: (شيِّئٌ) عنده" (46). وعلى الرغم من تصريح الفراء بحذف الهمزة نجد من يذهب في تفسيره التغير مذهبًا لا يحتمله ما عرف عن الفراء فهذا مكيّ بن أبي طالب يقول شارحًا مذهب الفراء:"وأصلها (أشْيِئاء) كهيّن وأهوناء؛ فمن أجل همزة التأنيث لم ينصرف، لكنه خفف، فأبدل من الهمزة الأولى-وهي لام الفعل- ياءً، لانكسار ما قبلها، ثم حذفت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير