استخفافًا لكثرة الاستعمال" (47). والوزن إذن (أَفْعاء).
وقد بيّن ابن جني وغيره ما يثيره قول الفراء من إشكال، وذلك في أمور:
1) ادعاء أن (شيئًا) محذوف من (شيّئٍ) لا دليل عليه من السماع (48).
2) أن (فَيْعِلاً) ليس حكمه أن يجمع على (أفْعِلاء) إلا ما ندر. وكذلك (فَعْل) ليس حكمه أن يجمع على (أفْعِلاء) (49).
3) أن الزعم بأن (فَيْعِلاً) أصله (فَعِيل)، الذي يجمع على (أفْعِلاء)، لا دليل عليه. ولا يأتي ما عينه ياء على (فَعِيل) إلا أن تكون لامه ياء (50).
4) لو كان (شَيْء) في الأصل (شيِّئًا) لكان هذا الأصل أكثر استعمالاً؛ قياسًا على أمثاله: ميّت وليّن وهيّن، وسيّد. ولكن هذا الأصل لم يسمع حتى يكون أكثر استعمالا (51).
5) لو كان (أشياء) على أفْعِلاء لوجب رده عند التصغير إلى الواحد؛ إذ هذا شأن جمع الكثرة، ولكنه صغر على لفظه فدل على أنه جمع قلة (52).
6) لو كان (أشياء) على (أفْعِلاء) لما جاز أن تجمع على (أشاوَى)؛ لأن (أفْعِلاء) لا تجمع على (فَعالَى) (53).
ثالثا: خروج الواحد إلى فعيل:
نجد عند المبرد رواية لقول الأخفش تختلف بعض الاختلاف عن الرواية المذكورة آنفا، قال: "وكان الأخفش يقول: (أشياء) (أَفْعِلاءُ) يا فتى، جُمع عليها (فَعْل)؛ كما جُمع سَمْح على سُمَحاء، وكلاهما جمع لفَعِيل؛ كما تقول في نَصِيب: أنْصِباء، وفي صديق: أصدقاء، وفي كريم: كُرَماء، وفي جليس: جُلَساء. فسَمْح وشيْءٌ على مثال (فَعْل) فخرج إلى مثال فَعِيل". (54)
يمكن فهم تفسير المبرد في ضوء ما ورد عند ابن جني فقد ذكر "أنه قد حكي (سمْح وسميح) فيكون على هذا (سُمَحاء) جمع سميح. والمشهور عنهم: سمْح" (55). ومعنى ذلك أنهم جمعوا سمْحًا على سُمَحاء كأنه سميح على نحو ما عبر عن ذلك الجوهري (56)،أي أنهم"جمعوا (فَعْلاً) على (فُعَلاء) " (57). وهذا معنى خروج (فَعْل) إلى (فَعيل). و (شيْء) مثل (سمْح) كأنها (شَيِيء) على (فَعِيل) ولكنها لم تجمع على (فُعَلاء) كما جمعت (سمح) بل على (أفْعِلاء) الذي هو جمع لـ (فَعيل) أيضًا.
وقول المبرد فيه محاولة لمعالجة المشكلة التي يثيرها قول الأخفش وهي أن (فَعْلا) لا يجمع على (أفْعِلاء)، قال ابن جني:"وليس حكم (فَعْل) أن يجمع على (أفْعِلاء) " (58).
وربما أوحى هذا التفسير إلى من ذهب إلى أن شيئًا في الأصل (شَيِيء) وهو ما نفصله في (رابعًا).
رابعًا: القول بأن واحده على فَعِيل:
ويفترض هذا القول أن (أشياء) -على (أفْعِلاء) - جمع لشَيِيء على (فَعِيل)، ولعل هذا مستفاد من قول الكوفيين أن بناء (فَيْعِل) أصله (فَعِيل) (59)، أو لعله ذهب هذا المذهب ليكون الجمع قياسيًّا، قال مكي:"وقال بعض أهل النظر: (أشياء) أصلها (أشْيِئاء) على وزن (أفْعِلاء)، كقول الأخفش؛ إلا أنّ واحدها (فَعِيل) كصَديق وأصدقاء، فأعلّ على ما تقدم من تخفيف الهمزة، وحذف العوض. وحسن الحذف في الجمع لحذفها من الواحد، وإنما حذفت من الواحد تخفيفًا لكثرة الاستعمال؛ إذ (شيء) يقع على كل مسمى من عَرَض أو جسم أو جوهر، فلم ينصرف لهمزة التأنيث في الجمع. وهذا قول حسن جار في الجمع، وترك الصرف على القياس، لولا أنّ التصغير يعترضه كما اعترض الأخفش" (60). قال السمين الحلبي: "ووزنها بعد الحذف أَفْعاء" (61).
تسلسل التغيير حسب هذا القول هكذا:
شييء (فَعِيل) ? أشْيِئاء (أفعِلاء) ? أشْيِياء ? أشْياء (أفْعاء)
والملاحظ من هذا التسلسل أن المحذوف من الجمع مختلف عن المحذوف من الواحد؛ إذ المحذوف من الجمع إحدى الياءين عين الكلمة أو لامها-الأخفش يفترض حذف اللام_ أما الواحد فالمحذوف منه ياء الزيادة. ولذلك قال السمين الحلبي: "قوله (هذا قول حسن) فيه نظر لكثرة ما يرد عليه وهو ظاهر مما تقدم" (62). واكتفى بهذا التعليق الذي لم يسلم من المبالغة؛ غير أنه أورد في موضع آخر قوله: "وقد ردّ الناس هذا القول، بأنَّ أصل شيء: شييء بزنة صديق دعوى من غير دليل، وبأنه كان ينبغي ألا يُصغر على لفظه، بل يُردُّ إلى مفرده كما تقدم تحريره" (63).
ولئن كانت الأقوال السابقة تنطلق جميعًا من أن اللفظ منع من الصرف لعلة لفظية هي ألف التأنيث الممدودة متجاهلة العلاقة القوية بين (شيء) و (أشياء) علاقة الواحد بالجمع فإنا نجد اتجاها أهتم بهذه المسألة فلم يدفعه المنع من الصرف إلى ميدان بعيد عن ظاهر اللفظ، وهذا هو الاتجاه الثاني.
¥