تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الاتجاه الثاني: التأنيث توهما

وصرح الزجاج بنسبة هذا القول إلى الكسائي (64). ونسبه النحاس إليه وإلى أبي عبيد (65). أما الفراء فذكر رأي الكسائي دون تصريح باسمه، قال: "وقد قال فيها بعض النحويين: إنما كثرت في الكلام وهي (أفْعال) فأشبهت فَعْلاء فلم تصرف؛ كما لم تصرف حمراء، وجمعها أشاوَى - كما جمعوا عذراء عذارى، وصحراء صحارى- وأشياوات؛ كما قيل: حمراوات" (66).

وذهب ابن جني في تفسيره قول الكسائي إلى أنّ الذي دعاه إلى عدها جمعًا على (أفْعال) أن " (أشْياء) أشبهت (أحْياءً) جمع (حيّ)، فكما أنّ (أحْياءً: أفْعالٌ) لا محالة، فكذلك (أشياء) عنده أفعال" (67). قال ابن الأنباري في سياق بيان قول الكسائي:"إنما قلنا إن وزنه أفْعال لأنه جمع شيء، وشيء على فَعْل، وفَعْل يجمع في المعتل العين على أفْعال، نحو: بَيْت وأبيات وسَيْف وأسياف، وإنما يمتنع ذلك في الصحيح، على أنهم قد قالوا فيه: زند وأزناد، وفرخ وأفراخ، وأنف آناف، وهو قليل شاذ، وأما في المعتل فلا خلاف في مجيئه على أفعال مجيئًا مطّردًا؛ فدل على أنه أفعال" (68).

ويسوق أبوالبركات دليلين على أن (أشياء) جمع تكسير، وذلك اعتمادًا على قرينتين إحداهما قرينة إضافة العدد والأخرى قرينة الجنس، أما عن قرينة إضافة العدد فقال:"والذي يدل على أن أشياء جمع وليس بمفرد كطرفاء قولهم: (ثلاثة أشياء). والثلاثة وما بعدها من العدد إلى العشرة يضاف إلى الجمع لا إلى المفرد. ألا ترى أنه لو قيل (ثلاثة ثوب وعشرة درهم) لم يجز، فلما جاز هاهنا أن يقال: (ثلاثة أشياء، وعشرة أشياء) دلّ أنها ليست اسمًا مفردًا وأنه جمع" (69). وأما استدلاله بقرينة الجنس ففي قوله: "والذي يدل على ذلك أيضًا تذكيرهم ثلاثة وعشرة في قولهم: (ثلاثة أشياء، وعشرة أشياء)، ولو كانت كطَرْفاء مؤنثة لما جاز التذكير فيقال (ثلاثة أشياء) وكان يجب أن يقال: ثلاث أشياء؛ كما كنت تقول مثلاً: ثلاث غرف؛ لو جاز أن يقع فيه الواحد موقع الجمع، وفي امتناع ذلك دليل على أنه جمع وليس باسم مفرد" (70).

وهو أيضًا يسوق الجواب على هذه الأدلة، فالجواب على دليل إضافة العدد أنه لا يضاف إلى ما كان مفردًا لفظًا ومعنى، و (أشياء) مفردة لفظًا مجموعة معنى فجاز أن يضاف إليها، أما تذكير العدد فلأنها -وإن كانت مؤنثة لوجود علامة التأنيث فيها- فهي اسم جمع فتنَزلت منْزلة (أَفْعالٍ) الذي هو جمع لشيء من حيث المعنى ولذلك (أشياء) في المعنى جمع لشيء، فهي مثل (أَثْوابٍ) جمع ثَوْبٍ فيقال ثلاثة أشياء مثل ثلاثة أثواب (71). والحق أن التكلف ظاهر في رد الحجج.

أما علة منعِها الصرف-عند الكسائي-فهي لأنها شابهت في جمعها الواحد الذي على (فَعْلاء)؛ إذ جمعت-حسب نص الفراء السابق-على (أشاوَى) مثل: صَحْراء وصحارَى، وعَذْراءَ وعَذارَى، وكذلك جمعت على (أَشْياواتٍ) مثل: حَمْراءَ وحَمْراواتٍ، وقال الرضي في سياق نقله قول الكسائي: "منع صرفه توهمًا أنه كحَمْراءَ، مع أنه كأَبْناءٍ وأَسْماءٍ" (72).

والقياس على التوهم له شواهد في اللغة ساق منها الرضي أمثلة في قوله: "كما توهم في مَسِيل -وميمه زائدة- أنها أصلية فجمع على مُسْلان (73) كما جمع قفيز على قُفْزان وحقه مسايل، وكما توهم في مُصيبة ومعيشة أن ياءهما زائدة كياء قبيلة فهمزت في الجمع فقيل: مصائب اتفاقًا، ومعائش عن بعضهم، والقياس مصاوب ومعايش، وكما توهم في منديل ومسكين ومدرعة، وهو من تركيب ندل ودرع وسكن، أصالة ميمها فقيل: تمندل وتمسكن وتمدرع" (74). ومن ذلك ما ذكره السمين الحلبي قال:"وقد أجاب بعضهم عن الكسائي بأن النحويين قد اعتبروا في باب ما لا ينصرف الشبه اللفظي دون المعنوي، يدُلُّ على ذلك مسألة سراويل في لغة من يمنعه فإنَّ فيه تأويلين، أحدهما: أنه مفرد أعجمي حمل على مُوازِنه في العربية، أي صيغة مصابيح مثلا، ويدُلُّ له أيضًا أنهم أجروا ألف الإلحاق المقصورة مُجرى ألف التأنيث المقصورة، ولكن مع العلمية، فاعتبروا مجرد الصورة" (75).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير