تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى الرغم من قرب قول الكسائي إلى الواقع اللغوي ووجه برفض شديد، قال الزجاج: "وقد أجمع البصريون وأكثر الكوفيين على أن قول الكسائي خطأ في هذا، وألزموه ألا يصرف أبناء وأسماء" (76). وهذا الفراء الكوفي يرد قضية التوهم، قال: "ولو كان على التوهم لكان أملك الوجهين بها أن تجرى (77)؛ لأن الحرف إذا كثر به الكلام خَفَّ؛ كما كثرت التسمية بيزيد فأجروه وفيه ياء زائدة تمنع من الإجراء" (78). ويرد الفراء احتجاج الكسائي لمنع صرف أشياء بأنها جمعت على أشياوات بأنه قد جمع هذا الجمع ما يماثلها ولم يمنع من الصرف: قال "وقد قالت العرب: هذا من أبناوات سعد، وأعيذك بأسماوات الله، وواحدها أسماء وأبناء تجرى، فلو مَنعتُ أشياء الجَرْي لجمعهم إياها أشياوات لم أُجر أسماء ولا أبناء؛ لأنهما جمعتا أسماوات وأبناوات" (79). ويعتمد ابن جني في رده قول الكسائي على إنكار كون (أشياء) جاءت على (أفْعال)، قال: "ثم احتال لامتناعها من الصرف فشبّهها (بفَعْلاء). وهذا الاعتلال في امتناعها من الصرف على ضعفه إنما كان يكون فيه بعض العذر لترك الصرف لو صحّ أنها (أفْعال) " (80). ولئن اكتفى ابن جني بتضعيف اعتلال الكسائي فإن ابن يعيش يرى فيه تعسفًا، وقال: "فلا يصار إليه ما وجد عنه مندوحة. فإذا جاز أن يكون (فَعْلاء) كقَصْباء، وطَرْفاء، فلا يحمل على ما ذكره، وليس فيه تكلف سوى القلب، وهو كثير في الكلام" (81).

وهذا الاحتجاج يمكن أن يوجه إلى قول الخليل أيضًا، فهو قول يفترض أمورًا: أولها أن أشياء على بناء (فَعْلاء) والثاني أن الهمزة قدمت فصار الوزن (لَفْعاء)، والثالث أن (أشياء) اسم جمع لا جمع تكسير لشيء، وكل هذه الأمور لا دليل عليها، وواضح أن قول الخليل إنما هدفه تفسير مجيء اللفظ ممنوعًا من الصرف في القرآن، ولم يروِ اللغويون لنا من أشعار العرب ولا من أقوالهم ما يشهد باستخدام العرب لهذا اللفظ ممنوعًا من الصرف باطراد.

ورأى أبو علي الفارسي أن تلك الآراء لا تخلو من الاعتراضات فحاول أن يستفيد من جملتها ليصل إلى رأي في تفسير منع (أشياء) من الصرف، وهذا هو الاتجاه الثالث.

الاتجاه الثالث: الاتجاه التلفيقي

وهو اتجاه وجدته عند أبي علي الفارسي وفيه شيء من التلفيق بين قول الكسائي وقول الأخفش والفراء، فشيء جمعها أشياء على (أفْعال) في الأصل؛ ولكنها جاءت على (أفْعِلاء) بدلا من أفْعال، نجد اتجاهه هذا في معرض إجابته على اعتراض المازني الذي جابه الأخفش به وهو مشكلة تصغير (أشياء)، فقال: "والجواب عن ذلك: أنَّ أفْعِلاءَ في هذا الموضع جازَ تصغيرُها، وإنْ لم يَجُزْ ذَلكَ فيها في غيرِ هذا الموضع، لأنها قد صارتْ بَدَلا من (أفْعال) بدلالة استجازتهم إضافة العَدَدِ القليل إليها، كما أضيف إلى أفْعال. ويدل على كونها بَدَلا من (أفْعال) تذكيرهم العدد المضاف إليها في قولهم (ثلاثةُ أشياء)، فكما صارت بمنْزلة (أفْعالٍ) في هذا الموضع بالدلالة التي ذكرت، كذلك يجوز تصغيرها من حيث جاز تصغير أفْعال، ولم يمتنع تصغيرها على اللفظ من حيث امتنع تصغير هذا الوزن في غير هذا الموضع لارتفاع المعنى المانع من ذلك عن أشياء وهو أنها صارت بمنزلة أفْعالٍ. فإذا كان كذلك لم يجتمع في الكلمة ما يتدافع من إرادة التقليل والتكثير في شيء واحد" (82).

ثانيا: أقوال المحدثين

أما المُحدثون فمنهم من اتجه اتجاهًا وصفيًّا ومنهم من اتجه اتجاهًا صوتيًّا:

أولا: الاتجاه الوصفي

ومن هؤلاء عبدالقادر المغربي الذي رجح قول الكسائي في منع (أشياء) الصرف وفهم من قول الكسائي أنها منعت الصرف لشبهها بصحراء أنها إنمالم تصرف لتوهم زيادة الهمزة، وهو من قبيل توهم زيادة الحرف الأصلي، وضرب أمثلة لذلك التوهم (83)، وهو أمر سبق إليه الرضي وعرضنا له أعلاه.

وهذا الاتجاه يتصف بما اتصفت به محاولات القدماء إذ نجدهم جميعًا عالجوا الكلمة جازمين بأنها ممنوعة من الصرف دون أن يقدموا شواهد على ذلك وهم عالجوا الكلمة منتزعة من سياقها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير