وكتب مصطفى شبل سنة 1962م. في زاوية (آراء وأحاديث) من مجلة الأزهر مقالاً بعنوان (أسماء غير ممنوعة من الصرف)، لخص الكاتب بإيجاز أقوال النحويين، ثم قال: "والذي استطعت أن أهتدي إليه بعد روية وتأمل أن الكلمة جمع (شيء) ووزنها أفعال ومثالها جمع (فيء) وهو أفياء وحقها أن تكون مصروفة كما صرفت (أفياء) وأمثالها ولا حجة لمن منعها الصرف بورودها غير منونة في الشعر لأن الضرورة الشعرية تبيح صرف الممنوع والعكس" (88). ويذهب الكاتب إلى أن علة ترك تنوينها "القاعدة العامة التي اتفق عليها النحاة وهي جواز صرف الممنوع من الصرف وصرف الممنوع للتناسب والضرورة وما التناسب إلا مراعاة الانسجام في جرس الكلمات وائتلاف النغم بين أجزائها". وساق الباحث أمثلة لهذا من القراءات القرآنية (89). وانتهى إلى التعليل الصوتي لمنع أشياء من الصرف في الآية وهو ما ورد سابقًا، قال: "فلم لا نقول إنَّ كلمة (أشياء) لم تنون لظرف خاص في محيطها في الآية الكريمة إذ لو نونت لتوالى مقطعان من لفظ واحد يحدث منها شيء واضح من الثقل الذي يأباه تآلف النغم في القرآن الكريم. وهذا التآلف من أسرار الإعجاز، قرئت كلمة (أشياء) غير منونة لأنها مرتبطة بجملة الشرط بعدها ارتباط الموصوف بالصفة وذلك يقتضي وصلها وهذا يوجب تكرار لفظ (إن) مرتين متواليتين، فمن أجل ذلك لم تنون (أشياء) " (90).
ويمكن في سبيل إيضاح الفكرة أن نكتب المقاطع المفترضة في حال التنوين على هذا النحو:
أشياءٍ إن تُبْدَ= ء ــَ ش /ي ــَ ــَ / ء ــِ ن/ ء ــِ ن/ ت ــُ ب/ د ــَ
ويلاحظ كيف توالى مقطعان متماثلان والمتماثلات الصوتية مكروهة في مستوى الأصوات المفردة فكيف الحال في مجموعة مقطعية. ولكن بحذف التنوين وفتح الهمزة خفت المؤونة على الجهاز النطقي بعد تغير التركيب المقطعي وأصواته المكونة له:
ء ــَ ش /ي ــَ ــَ / ء ــَ/ ء ــِ ن/ ت ــُ ب/ د ــَ
والتخلص من المتماثلات أمر اتخذه اللسان العربي طلبا للتخفيف (91)؛ إذ يجري التخلص من المقاطع المتماثلة في مثل الأفعال الثلاثية المضعفة مثل:
ر ــَ/د ــَ/د ــَ ? ر ــَ د /د ــَ
ويسكن الفعل إن اتصل به ضمير رفع متحرك:
ذَهَبَ+تُ ? ذَهَبْتُ، يَذْهَبُ+نَ ? يَذْهَبْنَ:
ذ ــَ / ه ــَ / ب ــَ / ت ــُ ? ذ ــَ / ه ــَ ب / ت ــُ
ي ــَ ذ / ه ــَ / ب ــُ/ ن ــَ ? ي ــَ ذ / ه ــَ ب / ن ــَ
وهذا التفسير الصوتي على طرافته لا يسهل الانطلاق منه إلى الزعم بأن الكلمة منعت الصرف به؛ ذلك أن هذا اللقاء عارض واللقاء العارض تحتمل فيه المتماثلات، والكلمة من الكلم الذي يغلب على الظن كثرة استخدامه في لغتهم؛ ولعل قول أبي حاتم يؤنس بهذا حين ذكر أن النحويين سمعوها من العرب غير مصروفة.
ويتكرر هذا التفسير عند غير واحد من المحدثين؛ إذ نجد رمضان عبدالتواب سنة1974م.-أي بعد اثنتين وعشرين سنة من نشر رأي البشبيشي- يقول: "ولعل المسئولَ عن منع كلمة: (أشياء) من الصرف، وقوعُها في القرآن الكريم، في سياق تتوالى فيه الأمثالُ لو صرفت، في قوله تعالى:?لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تَسُؤْكم? [سورة المائدة 5/ 101]، إذ لو صرفت لقيل: (عن أشياءٍ إنْ)، ولا يخفى ما فيه من تكرار المقطع: (إنْ) " (92). ولم يشر رمضان في حواشيه إلى مجلة الرسالة ولا مجلة الأزهر والغالب أنه لم يقف على ذلك، وهذا أمر يعرض لكثير من الباحثين، وفي هذه المسألة نجد باحثًا آخر انتهى إلى ما انتهى إليه الباحثون السابقون وهو عفيف دمشقية الذي قال: "ثم إذا نحن تدبرنا أنّ في النص القرآني المجيد حرصًا كبيرًا على التناغم الموسيقي، وانسجامًا كليًّا مع ميل العربي إلى النفور من كل ما يثقل على السمع أو النطق، وجدنا أن (تنوين الجر) في (أشياء) -ولفظه: (إنْ) - لابدّ أن يشكل مع (إنْ) الشرطية التي بعده نوعًا من التنافر الموسيقي الذي تأباه الأذن العربية، إذا لم نقل إن اللسان بعامة، واللسان العربي بخاصة يتعثر في النطق به" (93).
¥