وقال الباحث في الحاشية (287): "ضبطت هذه الكلمة هكذا (أشياءُ) غير منونة، وعدم التنوين يؤدي إلى كسر واضح في البيت، والذي يبدو لي أن المحققين ضبطوها بهذا الشكل تحت تأثير أقوال النحاة، من أن هذه الكلمة ممنوعة من الصرف، فكان أن منعوها الصرف في مكان يجب صرفها فيه" (104). وليس من المألوف أن يغير المحقق من الضبط دون تنبيه إلى ذلك وبخاصة إن كان يؤدي إلى كسر واضح حسب قول الباحث، وقد رجعت إلى نشرة أخرى وهي السيرة النبوية مع شرح أبي ذر الخشني فرأيت الكلمة مضبوطة بضمة واحدة (105)، ثم عدت إلى مخطوطة سيرة ابن هشام المحفوظة في مكتبة جامعة الملك سعود فوجدت الكلمة مضبوطة بضمة واحدة أيضًا (106). أما الكسر الواضح الذي أشار إليه الباحث فتعالجه كيفية الإنشاد فبمطل الضمة يزول الكسر.
وقال قيس بن الخطيم:
ثأرت عديًا والحطيم فلم أضع ولاية أشياءٍ جعلت ازاءها (107)
وقال الباحث: "ويبدو أنه عزّ على الرواة مجيء كلمة (أشياء) مصروفة في هذا البيت فكان أن أثبتوا له روايات أخرى لا تتعارض مع قواعد النحو ونواميسه، منها: (ولاية أشياخ)، و (وصية أقوام) " (108).
ومن المستبعد أن يتعمد الرواة تغيير لفظ مراعاة لقواعد النحو، وكتب النحو زاخرة بالشواهد التي فيها شذوذ عن القواعد المقررة، ولم يرو لها ما يصلح شذوذها. وقد علقت المجلة في الحاشية على قول الباحث قائلة:"المعنى يقتضي إيثار رواية (أشياخ) على رواية (أشياء)، ورواية (أشياء) تفسد المعنى" (109).
وينتهي الشايب إلى القول: "وعليه فأشياء مصروفة، ولكن قد يعرض لها ما يمنع صرفها لعلة صوتية كما في الآية الكريمة، أو لإقامة الوزن، وذلك كقوله:
فما أشياءُ نشريها بمال فإن نفقت فأكسد ما تكون
فالبيت من الوافر، ولو نونت كلمة (أشياء) لانكسر البيت، لذا جاءت غير منونة" (110).
وكنت وددت لو أن الباحث ضبط كلمة (أشياء) الواردة آنفا لنرى أيطبق ما ذهب إليه أم أنه يجاري الاستعمال الذي اشتهر عند الناس، وقد وردت (أشياء) في بحثة 23 مرة ولم تضبط بالشكل ففاتنا أن نعرف مذهبه الاستعمالي لها. وبالجملة فهذه الأبيات على قلتها لا تصلح دليلاً على أن أشياءَ كانت مصروفة؛ وليس لمن يريد صرفها سوى استصحاب الحال وهو أن الأصل فيها الصرف إذ لا علة لمنعها.
وبمراجعة الأشعار الجاهلية والإسلامية والأموية (*) نجد أن منها ما وردت فيه أشياءُ ممنوعة من الصرف، ووردت في بعضها مصروفة. وردت ممنوعة في قول جساس بن مرة:
تَبكي كُلَيبًا وَقَد شالَت نَعامَتُهُ حَقًّا وَتُضمِرُ أَشياءَ تُرَجّيها
وقول زهير:
قُلتُ لَها يا اِربَعي أَقُل لَكِ في أَشياءَ عِندي مِن عِلمِها خَبَرُ
وقول أحيحة بن الجلاح:
وَأُعرِضُ عَن أَشياءَ لَو شِئتُ نِلتُها حَياءً إِذا ماكانَ فيها مَقاذِعُ
وقول هدبة بن الخشرم:
وإِنّي لأُرجي المَرءَ أَعرِفُ غِشَّهُ وأُعرِضُ عَن أَشياءَ فيها مَقاذِفُ
وقول علي بن أبي طالب ?:
عَيناكَ قَد دَلَّتا عَيناي مِنكَ عَلى أَشياءَ لَولاهُما ما كُنتَ تُبديها
يُعَزّونَني قَومُ بِراءٌ مِنَ الصَبرِ وَفي الصَبرِ أَشياءُ أَمرُّ مِنَ الصَبرِ
وقول معن بن أوس:
وَإِنّي عَلى أِشياءَ مِنكَ تريبُني قَديمًا لَذو صَفحٍ عَلى ذاكَ مُجمِلُ
وَصَبري عَلى أَشياءَ مِنهُ تُرِيبُني وَكَظمي عَلى غَيظي وَقَد يَنفعُ الكَظمُ
وَقارَبتُ في أِشياءَ لَو أَنَّهُم مَعي لِباعَدتُ حَتّى تَستَقيمَ التَوابِعُ
وقول مدرك بن عمر:
وَقارَبتُ في أِشياءَ لَو أَنَّهُم مَعي لِباعَدتُ حَتّى تَستَقيمَ التَوابِعُ
وقول الأحوص الأنصاري:
وَأَخفى إِذا استَخبَرتُ أَشياءَ كارِهًا وَفي النَفسِ حاجاتٌ إِلَيها تَطَلَّع
وَأُغضي عَلى أَشياءَ مِنكُم تَسوءُني وَأُدعى إِلى ما سَرَّكُم فأُجيبُ
وَجُمِّعتَ مِن أَشياءَ شَتّى خَبيثَةٍ فَسُمِّيتَ لَمّا جِئتَ مِنها مُجَمَّعا
وقول العرجي:
تَخِفُّ لَما نَهوى مِرارًا وَإِنَّها عَن اشياءَ لَيسَت مِن هَوانا سَتَثقُلُ
مِنَ أَشياءَ قَد لاقَيتُها فيكَ لَم يَكُن لِيُحصيها مَن مَنَّ وَصلاً وَعَدَّدا
وقول المقنع الكندي:
يُعاتِبُني في الدينِ قَومي وَإِنَّما دُيونيَ في أَشياءَ تُكسِبُهُم حَمدا
وقول الوليد بن يزيد:
عَتَبتَ عَلَيَّ في أَشيا ءَ كانَت بَينَنا سَرَفا
وقول سابق بن عبدالله البريري:
¥