بداية, أود أن أوضح أمرا أخاله التبس على البعض, هو أن النحو العربي وصفي استقرائي وليس تنظيريا, أي أنه محاولة لوصف نظام اللغة العربية التي كان يتكلمها أجدادنا واستقراء قواعدها التي بها يستقيم الكلام. ومن هذا المنطلق, فإن تغيير الوصف لا يلزم منه تغيير الموصوف, لأن الموصوف ثابت والوصف وضعي تواضع عليه جمع من النحاة وأورثوه الأمة من بعدهم. أنا ضد التغيير في اللغة ولكني أرى التغيير في الوصف إذا كان ذلك مما يسهل اللغة للمتعلمين ومما يقربها من الأفهام, أفهام العرب وغير العرب ممن يريدون تعلم اللسان العربي.
ولذلك فلا مجال لأن يقول لي أحد \هل قالت العرب ذلك؟ \ و\ما لم تقله العرب لا نقبله\ لأن لا أناقش أصل اللغة بل وصفَهَا الموضوعَ.
هناك فكرة سائدة عند الكثير وهي تميز العربية على سائر اللغات على أساس أنها لغة القرآن ولذلك لزم أن تتميز في نظامها, وهذه الفكرة صواب يحمل بين طياته خطأ. أنا من أشد المولعين بالعربية وأدافع عنها بكل ما أستطيع, ولكن بموضوعية, ولقد أكرمني الله أن تعلمت سبع لغات بعد لغتي الأم العربية. العربية لغة ككل اللغات فيها كتاب ليس ككل الكتب, ولغة ككل اللغات يعني أنها لا تتميز بنظامها عن باقي لغات العالم فنظامها مشابه لبعض اللغات وبعضها يفوتها في النظام بينما هي تفوت البعض فيه كذلك, وليس هذا من باب تفضيل أو تقليل, بل من باب مقارنة موضوعية بين اللغات تضع كل لغة في خانتها الصحيحة من النظر. أما الكتاب الذي ليس ككل الكتب فهو كتاب الله تعالى, وبما أنه كتاب ممن لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, فهو كان معجزا وهي مرحلة لا يصلها أحد من الجن ولا الإنس, ولذلك فتنزيل نظام العربية اللغوي في خانة الإعجاز والتفرد بسبب القرآن أمر فيه نظر, لأن الله تعالى أخرج من اللغة العادية كلاما معجزا كما أخرج من الطين العادي بشرا سويا, فهل نقول بتميز الطين على الحديد؟ فالأمر إذن متعلق بقدرة الله تعالى على إخراج إعجاز من شيء غير عادي, وهذه هي القدرة الإلهية. والله تعالى أعلم.
نعود للغة. العربية لغة عظيمة جميلة ولكنها ليست أعظم ولا أجمل من كل اللغات, بل من بين العظيمات والجميلات. إن المقارنة بين اللغات بصفة موضوعية علمية تفتح الباب أمام تعلم أساليب تعامل البشر مع النظم اللغوية وهي تختلف من أمة أو جماعة لغوية إلى أخرى, والاستفادة من بعضها البعض سنّة كونية, وهو ما يسميه اللغويون التلاقح بين اللغات, ويمكن الاستفادة من العلوم اللسانية الغربية في تناول العربية بما يفيد تقدم اللغة وتطورها من حيث تسهيل تعليمها وتلقيها. وإني لا أرجو أن يتهمني أحد بالاستغراب أو التأثر بالغرب, فالعلم لا يعترف بجنس ولا بعرق, وحيثما كانت الفائدة وجب أن نكون أول المستفيدين منها.
أعود لأصل الموضوع.
هو عبارة عن محاولة طرح موضوع أطروحة دكتوراه في اللسانيات تتناول الفاعل في العربية وتركيب الجملة العربية على ضوء ذلك والنحوِ العربي التقليدي.
قسم النحاة العرب الجملة إلى فعلية واسمية, وقالوا أن الفعلية ما بدأت بفعل والاسمية ما بدأت باسم.
وهذا التقسيم هو المعمول به إلى اليوم. وأنا أتناول الجملة الفعلية وفاعلها والجملة الاسمية والفعل الذي ربما يكون فيها ولا يحولها إلى فعلية حسب النحو العربي.
الجملة الفعلية: فعل + فاعل + (مفعول به)
الجملة الاسمية: مبتدأ + خبر
الخبر يمكن أن يكون فيه فعل أو مركب إسنادي.
جملة فعلية:
تقرأ البنتُ الرسالةَ
جملة اسمية:
البنتُ تقرأ الرسالةَ
قبل أن أواصل, لا بد أن أوضح أمرا مهما جدا:
العلاقة بين التركيب والمعنى علاقة مختلف فيها كثيرا, فهل تتحدد إعرابات الكلمات في جملة ما حسب معانيها في الجملة أو حسب النظم الإعرابية الداخلية في الجملة من رفع ونصب وجر في العربية؟
أي: هل أن المعنى هو الذي يحدد الإعراب أو علامات الإعراب في الجملة وتركيبها أو العكس؟
الرأي الراجح في علم اللسانيات هو أن النظام التركيبي في الجملة هو المحدد للمعنى في أي لغة ما وأن المعنى أمر ثانوي أو أنه نتيجة للتركيب والإعراب, فنحن نعرف المفعول به من علامة إعرابه والفاعل من علامة إعرابه وهلم جرا, حتى ولو خالف المعنى الفهم السليم,
فنقول:
كتبتْ رسالةً: \رسالةً\ مفعول به نظرا إلى النصب في الكلمة
¥