لانقول هذا عن عصبية عمياء حين نفاخر بشرف لغتنا الفصحى، بل نقوله عن تعصب محمود؛ يعيدنا إلى التمسك بها، والدفاع عنها؛ لأنها لغة الكتاب " الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد "، وهذا وحده فخار ما بعده مجال للافتخار، ولأنها – أيضا – مقوم من مقومات الإعلان عن أنفسنا وسط عالم تتعدد فيه نوافذ الانفتاح على الآخر، وتتقارب فيه المسافات بين الناس.
يقول الأستاذ الكبير، الشاعر أحمد السقاف – في كتابه (أحاديث في العروبة والقومية):
" إن القومية العربية منذ معركة (ذي قار) بين ملك الفرس وقبيلة بكر بن وائل ... لم تكن - حتى هذه الساعة – غير دفاع عن وجود الإنسان العربي، وعن حقه كرامته ... وإن الدين الإسلامي تاج العروبة، ومفخرة لا تضاهى للأمة العربية، والقومية العربية بغير أن تعتز بالإسلام وتتمسك به، قومية لا تستحق الاهتمام ".
وينقل الأستاذ السقاف الواقعة الآتية للأستاذ حنا خلف؛ إذ يقول:
" وقعت في الأسر، خلال ثورة فلسطين على الإنجليز، عام 1936م.
ولما قدموني إلى المحاكمة، قال لي رئيس المحكمة - وهو بريطاني -: " كيف تحمل السلاح تحت قيادة عبد القادر الحسيني المسلم، وأنت مسيحي مثلنا؟ "، فقلت له: " إنني مسيحي دينا / مسلم قومية؛ فصرخ في وجهي غاضبا، وأمر بسجني، فهربت مع عبد القادر الحسيني إلى خارج فلسطين ".
من ثم لا غرو أن يكون شعار العربي – مسلما كان أو غير مسلم – هو قول الشاعر:
لغتي: ذات جمال دائمِ
لغتي أحلى لغات العالم
لغتي: الرحمن قد أوحى بها
في حراء؛ فهْي بشرى العالِمِ
كل لفظ من علاها نغمةٌ
فهْي موسيقا المحب الهائمِ
كلما رددت منها جملةً
أطربتني بانسجام باسم
هي للعصر وللدهر؛ فمن
شك، ردته بقول حاسم
وسأحاول الاقتصار – في حديثي – عن " الكلمة "؛ أي: اللفظ الذي يدل على معنى مفرد.
يأتي النظر إلى اللفظ المفرد من عدة زوايا، كل زاوية من هذه الزوايا تجلي ما في الفظ من ملامح الجمال، وروعة البيان.
(زاوية الضبط)
والضبط - في عبارة موجزة -: وضع رموز كل من المتحرك والساكن فوق الحرف أو تحته.
وهو إما أن يكون متحركا أو ساكنا؛ فالحركة تكون ضمة أو فتحة أو كسرة، والسكون دائرة صغيرة مغلقة، وقد يأتي الحرف مع الحركة أو السكون مشددا أو خاليا من التشديد.
وللضبط أثره الكبير في تحديد معنى الكلمة، وتنوع دلالاتها، وتعدد معانيها.
ولنأخذ - لتنوع المعاني بتنوع الضبط - ثلاثة الأحرف:
" ق، د، م "
ضبطها من جانب كونها فعلا:
1 - الثلاثي المجرد:
... قَدَمَ يقْدَم قُدُما: تَقَدَّم
... قَدَمَ يقْدُم قَدْما: شَجُع
... قَدَمَ - القومَ - يقْدُم قَدْما وقُدوما: سَبَقهم؛ فصار قدامهم.
... قَدِمَ - على الأمر - يَقْدَم قٌدوما: أقبل عليه.
... قَدِمَ - على العيب - يَقْدَم قٌدوما: رضي به.
... قَدِمَ - إلى الأمر - يَقْدَم قٌدوما: قَصَد له.
... قَدِم - من سفره – يَقْدَم قُدوما: رَجَع.
... قَدِم - البلد – يَقْدَمها قُدوما: دخلها.
... قَدُم – الشيءُ – يقْدُم قِدَما، وقَدَامة: مضى على وجوده زمن طويل.
2 - المزيد بتضعيف العين (أو تضعيف الدال):
... قَدَّم - فلانا – يُقَدِّمه – جعله قُدِّاما.
... قَدَّم - الشيءَ إلى غيره – يُقَدِّمه: قرَّبه منه.
... قَدَّم - رجله إلى هذا الأمر – يُقَدِّمها: أقبل عليه.
3 – المزيد بالألف في أوله:
... أَقْدَم يُقْدِم: تَقَدَّم.
... أَقْدَم – على العمل - يُقْدِم: أسرع في إنجازه بدون توقف.
... أَقْدَم – على العيب - يُقْدِم: رضي به.
... أَقْدَم - فلانا - يُقْدِمُه: جعله قُدَّامه.
... أَقْدَم - فلانا على الأمر، وعلى قرنه -: جعله يسرع في الهجوم عليه بدون توقف.
4 - المزيد بالتاء في أوله وتضعيف العين:
... تَقَدَّم يَتَقَدَّم: صار قُدَّاما.
... تَقَدَّم - فلان إلى فلان - يَتَقَدَّم: تَقَرَّب منه.
... تَقَدَّم - فلان إلى فلان بكذا - يَتَقَدَّم: أمره به، أو طلبه منه.
... تَقَدَّم - فلان بين يدي أبيه – يَتَقَدَّم: إذا عجَّل في الأمر والنهي دونه.
... تَقَدَّم – القوم، وعليهم – يَتَقَدَّم: سبقهم في الشرف أو الرتبة؛ فصار قُدَّامهم.
ضبطها من جانب كونها اسما:
... القَدْم: الشجاعة.
¥