كقولي لك: خذ، فأنت بوعيك اللغوي عن طريق استنطاقك للقرينة تدرك أن المعني هو أنت، وأن من يمتل للأخذ هو أنت وأن مأمورا بالتناول هو أنت، وعليه فلا حاجة لاظهار الفاعل لما سبق، ثم لأن السياق (خذ) لا يحتمل ظهوره ...
تلك طبيعة التركيب الفعلي ضمن كلامنا العربي ... الأمر الذي جعل العلماء يقعدون قاعدة تبعا لذلك التأمل والنظر فنصوا على أن الفعل يتبعه الفاعل ظاهرا أو مضمرا
حسنا، ماذا لو صغت كلاما نحو: يبني البناة سورَ المدينة
فالتركيب فعلي، أسند الفعل إلى فاعله الظاهر، والذي لا يمكن بحال تخلي التركيب عنه، فإما أن يكون ظاهرا جليا، وإلا فالتركيب ساقط الصنعة، فاسد المعنى، ركيك النسج: يبني سور المدينة!!
إلا إن كان الحديث مسبقا عن البناة النشيطون الذين يعملون بجد وإخلاص، فبالتالي يكون للتركيب السابق وجها من الصحة بعد أن نحمله بقرينة أخرى لتدل على ما كنا نخوض فيه، فعندها نقول:
يبنون سور المدينة، ونحن إذ نصوغ خبرا عن مخبر عنه فبالتالي يكون حديثنا عن: البناة – يبنون سور المدينة
وهنا نجد اتساقا وانسجاما بين الاسم المعني بالخبر وبين الفعل الذي يخبر في سياقه التركيبي عن المبتدأ، إذ نلاحظ ضميرا متصلا بالفعل يتناسب ومقام المخبر عنه، والضمير كما لا يخفى عليك يحل محل اسم آخر ويدل عليه، ثم لا بد من التناسب بين الضمير وما يدل عليه نحو: الولدان أكلا / البنتان لعبتا – الآولاد أكلوا / البنات يشربن
ثم أن وعيا بالتركيبين الفعلي والاسمي يجعلنا نفرق بين السياقين:
يلعبُ الأولادُ بالكرة
الآولاد يلعبون بالكرة
نلاحظ في السياق الأول وهو سياق فعلي أن الفعل تجرد من علامة الجمع، على اعتبار السلامة اللغوية والنأي عن الركاكة البنيوية، فلا نقول يلعبون الأولادُ، اللهم إلا ما جاء في لغة قليلة عند طائفة من العرب لا يقاس عليها.
فأنت حين تسند الفعل إلى ظاهر /جمع مثلا جردته من علامة الجمع فيكون كحاله إذا أسندته إلى مفرد، فتقول:
يلعبُ الأولادُ
وحين تسند اللعب إلى مخبر عنه في سياق اسمي تقول:
الأولادُ لعبوا، فتأتي بعلامة في الفعل الذي يشكل ضمن تركيبه الفعلي كوحدة صغرى في نسيج وحدة كبرى لتدل على ما تخبر عنه، وبالتالي تكون العلامة ضميرا متصلا في محل رفع فاعل في سياق الوحدة الصغرى، ويكون بعدها في جملته خبرا عن المخبر عنه، وهذا ما أردت من كون السياق التركيبي الفعلي ركن أصيل ضمن البناء اللغوي ..
ـ[ضاد]ــــــــ[23 - 01 - 2008, 01:11 ص]ـ
بارك الله فيكم!
كثيرا ما سمعنا من دارسي علم اللغة الحديث مثل هذه العبارات الطنانة، ولكننا نسمع قعقعة ولا نرى طحنا، بل إن بعضهم يتهم من يفضّل العربية على اللغات الأخرى بالتعصب والشعوبية، وكنا نود من أستاذنا ضاد ـ وهو الدارس لعدة لغات ـ أن يبين لنا بالدليل والبرهان صدق مقولته السابقة.
ونحن إذ نفضل العربية على غيرها فإنما ننطلق من معايير منهجية ورؤى علمية ومنهج تجريبي، فللعربية مميزات وصفات وخصائص لا تتوافر كاملة في أي لغة، أما من يدعي غير ذلك فعليه البرهان والدليل لا إطلاق القول.
فللعربية مميزات تجعلها تتفوق على اللغات الأخرى منها على سيبل المثال لا الحصر:
نظامها الصوتي الفريد، ذالكم النظام الذي" يستوعب أكثر الأصوات التي يمكن أن ينتجها جهاز النطق البشري فليس فيها مخرج صوتي واحد ناقص ومن هنا اشتمات على مجموعات صوتية لا توجد ـ بكمالها ـ إلا فيها، وهي أصوات الحلق وأصوات الإطباق "
ومنها:"الإعراب الذي احتفظت العربية وحدها ـ دون سائر اللغات ـ بكل مظاهره حتى اليوم، والذين يعرفون العربية ويحسنون ذوقها هم الذين يعلمون علم اليقين أن ظاهرة الأعراب تمنح المتكلم بهذه اللغة طاقة هائلة على تنويع الكلام وتصريف جهاته لأن حركات الإعراب دوال المعاني ".
هذه بعض مميزات اللغة العربية على سائر اللغات، فهل هناك مميزات للغات الأخرى على العربية تنفرد بها هذه اللغات!؟ ولكن ما نريده من أستاذنا ضاد أن ينقلنا من القول والزعم إلى الدليل والأمثلة الحية.
والسلام!
ما الفائدة من التهجم؟
إذا ذكرت لك أمثلة من لغات أنت لا تعلمها, فهل ستفهمها؟ ولكني سأخبرك أن النظام الصوتي العربي مثله مثل أي نظام صوتي في لغة أخرى, يزيد عن غيره وينقص, وليس ذلك منقصة في ذاتها ولا مفضلة, فالعربية لا تحوي الصوت \ p\ ولا الصوت \ g\ ولكنها تحوي أصواتا أخرى ليست في موجودة في الفرنسية مثل \ q\ وهو القاف. أما الإعرابات أو ما يصطلح عليه باللسان الإنكليزي case marking ففي الألمانية أربعة منه تزيد عن العربية واحدا وهو dative وفي الفنليندية 15 إعرابا وفي المجرية 18 إعرابا وهكذا تختلف اللغات في عدد الإعرابات.
وأنا لست في محل تمييز اللغات الأخرى على العربية, ولا في محل تقليل قيمتها أمامهن, بل في محل تناول موضوعي للعربية من حيث أنها لغة كسائر اللغات في نظامها وتتطور وتتغير وتتلاقح مثل كل اللغات. وأنا لا أتهم من يحب العربية بالشعوبية ولا بغيرها, فأنا أكثر منهم حبا للعربية وأدافع عنها.
ولذلك لا أريد أن أخوض في مقارنات لا فائدة منها نظرا إلى عدم معرفة المتلقي باللغات التي سأقارنها بالعربية أو العربية بها, ولا أريد الزج بها في مقارنة حسب رأيي عقيمة إلا إذا كانت على مستوى التناول النحوي إعرابا وتركيبا بما يفيد القضية المطروحة للنقاش.
¥