تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله ابن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا

حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

وهذه الصحيفة التي أخذها من عند حفصة هي التي أمر أبو بكر وعمر بجمع القرآن فيها لزيد بن ثابت وحديثه معروف في الصحيحين وغيرهما وكانت بخطه؛ فلهذا أمر عثمان أن يكون هو أحد من ينسخ المصاحف من تلك الصحف ولكن جعل معه ثلاثة من قريش ليكتب بلسانهم فلم يختلف لسان قريش والأنصار إلا في لفظ التابوه و التابوت فكتبوه (التابوت) بلغة قريش.

وهذا يبين أن المصاحف التي نسخت كانت مصاحف متعددة وهذا معروف مشهور وهذا مما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ: إنه غلط من الكاتب أو نقل ذلك عن عثمان؛ فإن هذا ممتنع لوجوه.

منها: تعدد المصاحف واجتماع جماعة على كل مصحف ثم وصول كل مصحف إلى بلد كبير فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرءون القرآن ويعتبرون ذلك بحفظهم والإنسان إذا نسخ مصحفا غلط في بعضه عرف غلطه بمخالفة حفظه القرآن وسائر المصاحف فلو قدر أنه كتب كاتب مصحفا ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار للأول والثاني أمكن وقوع الغلط في هذا وهنا كل مصحف إنما كتبه جماعة ووقف عليه خلق عظيم ممن يحصل التواتر بأقل منهم ولو قدر أن الصحيفة كان فيها لحن فقد كتب منها جماعة لا يكتبون إلا بلسان قريش ولم يكن لحنا فامتنعوا أن يكتبوه إلا بلسان قريش فكيف يتفقون كلهم على أن يكتبوا {إن هذان} وهم يعلمون أن ذلك لحن لا يجوز في شيء من لغاتهم أو {المقيمين الصلاة} وهم يعلمون أن ذلك لحن كما زعم بعضهم.

قال الزجاج في قوله: {المقيمين الصلاة} قول من قال: إنه خطأ - بعيد جدا؛ لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والقدوة فكيف يتركون شيئا يصلحه غيرهم فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم.

وقال ابن الأنباري: حديث عثمان لا يصح لأنه غير متصل ومحال أن يؤخر عثمان شيئا ليصلحه من بعده.

قلت: ومما يبين كذب ذلك: أن عثمان لو قدر ذلك فيه فإنما رأى ذلك في نسخة واحدة فإما أن تكون جميع المصاحف اتفقت على الغلط وعثمان قد رآه في جميعها وسكت، فهذا ممتنع عادة وشرعا من الذين كتبوا ومن عثمان ثم من المسلمين الذين وصلت إليهم المصاحف ورأوا ما فيها وهم يحفظون القرآن ويعلمون أن فيه لحنا لا يجوز في اللغة فضلا عن التلاوة وكلهم يقر هذا المنكر لا يغيره أحد فهذا مما يعلم بطلانه عادة ويعلم من دين القوم الذين لا يجتمعون على ضلالة؛ بل يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر أن يدعوا في كتاب الله منكرا لا يغيره أحد منهم مع أنهم لا غرض لأحد منهم في ذلك ولو قيل لعثمان: مر الكاتب أن يغيره لكان تغييره من أسهل الأشياء عليه.

فهذا ونحوه مما يوجب القطع بخطأ من زعم أن في المصحف لحنا أو غلطا وإن نقل ذلك عن بعض الناس ممن ليس قوله حجة فالخطأ جائز عليه فيما قاله؛ بخلاف الذين نقلوا ما في المصحف وكتبوه وقرءوه فإن الغلط ممتنع عليهم في ذلك وكما قال عثمان: إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش وكذلك قال عمر لابن مسعود أقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل فإن القرآن لم ينزل بلغة هذيل.

وقوله تعالى في القرآن: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} يدل على ذلك فإن قومه هم قريش كما قال: {وكذب به قومك وهو الحق}. وأما كنانة فهم جيران قريش والناقل عنهم ثقة ولكن الذي ينقل بنقل ما سمع وقد يكون سمع ذلك في الأسماء المبهمة المبنية فظن أنهم يقولون ذلك في سائر الأسماء؛ بخلاف من سمع " بين أذناه " و " لناباه " فإن هذا صريح في الأسماء التي ليست مبهمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير