واحتج الكوفيون أيضًا على أنها جمع يمين أن همزتها همزة قطع؛ لأنه جمع، إلا أنها وُصِلَت لكثرة الاستعمال؛ وبقيت فتحتها على ما كانت عليه في الأصل، ولو كانت همزتها وصل لكان ينبغي أن تكون مكسورة على حركتها، ودليل آخر على أنها ليست همزة وصل أنها ثبتت في قولهم: أم الله لأفعلنَّ.
حجج البصريون:
إنما قلنا إِنه مفرد وليس بجمع يمين؛ لأنه لو كان جمع يمين لوجب أن تكون همزته همزة قطع فلما وجب أن تكون همزته همزة وصل دل عل أنه ليس بجمع يمين، قال الشاعر:
وَقَدْ ذَكَرَتْ لِي بِالْكثيب مُؤَالفًا قِلاَصَ سُلَيْمٍ أو قِلاَصَ بَنيِ بَكْرِ
فَقَالَ فَرِقُ الْقَوُمِ لَمَّا نَشَدتُهُمُ: نَعَمْ، وَفَرِيقٌ: لَيمُنُ اللهِ مَا ندري
رد البصريون على الكوفيين:
ـ أما قولهم إنه جمع يمين بدليل أنه على وزن أفعل وأفعل وزنٌ يختص به الجمع ولا يكون في المفرد، وقلنا لا نسلم بل قد جاء ذلك في المفرد، فإنهم قالوا: رصاصُ آنك وهو الخالص.
ـ أما قولهم الأصل في الهمزة أن تكون همزة قطع لأنه جمع يمين يرد على ذلك البصريون بأنه لو كانت الهمزة فيه همزة قطع لما جاز فيه الكسر الهمزة؛ لأن ما جاء من الجمع على وزن أفعل لا يجوز فيه كسر الهمزة.
ـ أما قولهم لو كانت الهمزة وصل لكان ينبغي أن تكون مكسورة فيرد على ذلك البصريون بأن إنما جاءت مفتوحة وإن كان القياس يقتضي أن تكون مكسورة؛ لأنهم لما كثر استعماله في كلامهم فتحوا فيه الهمزة؛ لأنها أخف من الكسرة.
ـ وأما قولهم أن الهمزة ثبتت في قولهم: أمُ الله لأفعلنَّ، مع تحرك ما بعدها فيرد على ذلك البصريون إنما ثبتت الهمزة فيه من وجهين أحدهما: أن الأصل في الكلمة أيمن فالهمزة داخلة على الياء وهي ساكنه، فلما حذفت ـ وحذفها غير لازم ـ بقي حكمها.
المسألة التاسعة
تقديم معمول خبر ما النافية عليها
رأي الكوفيون:
قالوا يجوز تقديم معمولها عليها نحو: طَعَامَكَ ما زَيْدٌ آكِلاً.
رأي البصريون:
قالوا لا يجوز ذلك.
حجج الكوفيون:
يجوز ذلك؛ لأنه بمنزلة لم ولن ولا لأنها نافية كما أنها نافية، وهذه الأحرف يجوز تقديم معمول ما بعدها عليها نحو: زيدًا لم أضرب، وعمرًا لن أُكرم، فإذا جاز التقديم مع هذه الأحرف فكذلك جاز مع ما.
حجج البصريون:
إنما قلنا لا يجوز؛ لأن ما معناها النفي ويليها الاسم والفعل؛ فأشبهت حرف الاستفهام، وحرف الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله، وكذلك هاهنا لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.
رد البصريون على الكوفيين:
ـ أما قولهم أن ما بمنزلة لم ولن ولا فيرد على ذلك البصريون بأننا لا نسلم؛ لأن ما يليها الاسم والفعل، وأما لم ولن فلا يليها إلا الفعل فصار بمنزلة بعض الأفعال بخلاف ما، فإنها يليها الاسم والفعل، وأما لا فإنما جاز التقديم معها وإن كانت يليها الاسم والفعل؛ لأنها حرف متصرف فعمل ما قبله فيما بعده، ألا ترى أنك تقول: جئت بلا شيء، فيعمل ما قبله فيما بعده.
المسألة العاشرة
تقديم معمول الفعل المقصور عليه
رأي الكوفيون:
قالوا أنه لا يجوز ذلك نحو: مَا طَعَامَك أكَلَ إلا زَيْدٌ.
رأي البصريون:
قالوا إنما يجوز ذلك.
حجج الكوفيون:
أن قلنا لا يجوز؛ لأن الأصل في زيد أن لا يكون هو الفاعل، وإنما الفاعل في الأصل محذوف قبل إلاّ؛ لأن التقدير فيه: ما أكل أحدٌ طعامك إلا زيد، والذي يدل على ذلك قولهم: مَا خَرَجَ إلا هِندٌ، وَمَا ذَهَبَ إلا دَعْدٌ، ولو كان الفعل لدعد وهند في الحقيقة لأثبتوا فيه علامة التأنيث، فلما لم يثبتوا في الفعل علامة دل على أن الفاعل هو أَد المحذوف، ويدل عيه أيضًا أن إلا بابُها الاستثناء، والاستثناء يجب أن يكون في الجملة.
حجج البصريون:
إنما جوزنا ذلك؛ لأن زيد مرفوع بالفعل، والفعل متصرف؛ فجاز تقديم معمولة عليه، مثل: عمرًا ضرب زيدٌ، وسائر الأفعال المتصرفة.
رد البصريون على الكوفيين:
¥