ـ أن الأصل ألا يكون زيد هو الفاعل؛ لأن التقدير: ما أكل أحدٌ طعامك إلا زيدٌ، فيرد على ذلك البصريون بأننا لا نسلم أن أحدًا مقدَّر من جهة اللفظ، وإنما هو مقدَّر من جهة المعنى، كما أن المعنى يدل على أن عَرَقًا في قولهم: تَصبَّب زيد عَرَقًا، فاعلٌ معنىً، وإن لم يكن فاعلاً لفظًا، وقول الشاعر:
لَقَد وَلَدَ الأخَيِطلَ أُمُّ سَوءٍ عَلَى قِمْعِ أسْتِها صُلُبٌ وَشَامُ.
فقال ولد ولم يقل ولدت.
ـ أما قولهم إنه اكتفى بالفعل من أحد قلنا لا نسلم، أن الفعل اكتفى به من الاسم، لأن الفعل لا بد له من فاعلٌ، وإنما الاسم بعد إلا قام مقامه واكتفى به منه؛ لأنه حذف المستثنى منه قبل إلا قام ما بعد إلا حين حذفته مقامه كما يقوم المفعول مقام الفاعل إذا حذف نحو: ضُرب زيدٌ.
المسألة الحادية عشر
تقديم حرف الاستثناء في أول الكلام
رأي الكوفيون:
قالوا يجوز تقديم حرف الاستثناء في أول الكلام نحو قولك: إلاَّ طَعَامَكَ مَا أكل زَيدٌ، ونصَّ عليه الكسائيّ.
رأي البصريون:
قالوا لا يجوز ذلك.
حجج الكوفيون:
احتج الكوفيون بالنقل، فجاز تقديمه؛ لأنه ورد عن العرب استعماله مقدمًا،
قال الشاعر: خَلا أَنَّ العِتَاقَ مِنَ المَطايَا حَسِينَ بِهِ فَهُنَّ إليهِ شُوسُ
وقال الآخر: وَبَلدةٍ ليس بِهاَ طُورِيُّ وَلا خَلاَ الجِنِّ بِهَا إِنْسىُّ
حجج البصريون:
إنما قلنا لا يجوز ذلك؛ لأنه يؤدي إلى أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، ونذلك لا يجوز؛ لأنها حرف نفي يليها الاسم والفعل كحرف الاستفهام، وكما أنه لا يجوز أن يعمل ما بعد حرف الاستفهام فيما قبله؛ فكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها.
رد البصريون على الكوفيين:
ـ أما قولهم خلا أنّ العِتاقَ من المطايا، فيرد على ذلك البصريون أن لا نسلم هاهنا أن الاستثناء وقع في أول الكلام، فإن هذا الشعر لأبي زُبيدٍ.
ـ وأما قولهم ولا خلا الجن بها إنسُ، فتقديره: وبلدة ليس بها طورىٌّ ولا إِنسى خلا الجن، فحذف إنسيًّا، فاضمر المستثنى منه، وما أظهره تفسيرٌ لما أضمره، وقيل تقديره ولا بها إنسى خلا الجن؛ فـ بها مقدرة بعد لا وتقديم الاستثناء فيه للضرورة؛ فلا يكون فيه حجة.
المسألة الثانية عشر
هل تكون إلا بمعنى الواو
رأي الكوفيون:
قالوا إن إلا تكون بمعنى الواو.
رأي البصريون:
قالوا لا يجوز أن تكون إلا بمعنى الواو.
حجج الكوفيون:
احتج الكوفيون بالنقل فورد كثيرًا كتاب الله تعالى وكلام العرب، قال تعالى " لئلا يكون عليكم حجّة إلا الذين ظلموا مِنهم "، أي ولا الذين ظلموا.
قال تعالى " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين "، أي مع المرافق ومع الكعبين.
قال تعالى " من النصارى إلى الله " أي مع الله.
وقول العرب بها قول الشاعر: كُلُّ خوَّار إلى كُلِّ صعلة، أي مع كل صعلة.
ـ وكلُّ أخ مفارقة أخوة لعمر أبيك إلاَّ الفرقدان، أي والفرقدان.
حجج البصريون:
قلنا لا تكون بمعنى الواو؛ لأن لا للاستثناء يقتضي إخراج الثاني من حكم الأول، والواو للجمع والجمع يقتضي إدخال الثاني في حكم الأول.
رد البصريون على الكوفيين:
ـ أما القول الأول (إلا الذين ظلموا)، فلا حجة لهم فيها؛ لأن لا استثناء منقطع والمعنى لكن الذين ظلموا منهم يحتجون عليكم بغير حجة، والاستثناء المنقطع كثير في كتاب الله تعالى: " ما لم به من علمٍ إلا أتباع الظن "، أي لكن يتبعون الظن.
ـ أما قولهم (إلا الفرقدان)، أراد لكن الفرقدان فإنهما لا يفترقان، ويحتمل أن تكون بمعنى غير، والمعنى كل أخ غير الفرقدين مفارقة أخوة.
المسألة الثالثة عشر
ناصب الاسم المشغول عنه
رأي الكوفيون:
ذهب الكوفيون إلى أن قولهم: زيدًا ضَربتُهُ، منصوب بالفعل الواقع على الهاء.
رأي البصريون:
ذهب البصريون إلى أنه منصوب بفعل مقدر، والتقدير فيه: ضربت زيدً ضربته
حجج الكوفيون:
قالوا أنه منصوب بالفعل الواقع على الهاء، فاحتجوا بذلك؛ لأن المَكْنِىَّ ـ هو الأولُ في المعنى؛ فينبغي أن يكون منصوبًا به، كما قالوا: أكرمت أباك زيدًا، وضربت أخاك عَمرًا.
حجج البصريون:
¥