احتج الكوفيون بالنقل فقد جاء عن العرب، قول الشاعر:
فيا الغلامان اللذان فرّا إياكما أن تكسباني شَرّا
فقال يا الغلامان.
وقال أخر: فديتك يا اللتي تيَّمت قلبي وأنتِ بخيلةٌ بالوُدِّ عنيّ
والدليل عل أنه جائز أيضاً في الدعاء نقول: يا الله اغفر لنا.
حجج البصريون:
إنما قلنا لا يجوز؛ لأن الألف واللام تفيد التعريف ويا تفيد التعريف، وتعريفان في كلمة لا يجتمعان، ولا يجوز الجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية في الاسم المنادى العلم، نحو: يا زيد، بل يُعدُّى عن تعريف العلمية ويَّعرِّف بالنداء؛ لئلا يجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية، وإذا لم يجز الجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية؛ لأن لا يجوز الجمع بين التعريف النداء وتعريف الألف واللام.
رد البصريون على الكوفيين:
ـ أما قولهم (فيا الغلامان اللذان فرَّا)، فلا حجة لهم فيه؛ لأن التقدير فيه: فيا أيها الغلامان، فحذف الموصوف وأقام الصفة.
ـ أما قولهم (فديتك يا التي)، حذف الموصوف وأقامت الصفة مقامه.
ـ أما في الدعاء (يا الله) فيرد على ذلك البصريون من ثلاثة أوجه وهي:
1 ـ أن الألف واللام عوض من همزة إله فتنزلت منزلة حرف من نفس الكلمة ولذلك جاز أن يدخل حرف النداء عليه.
2 ـ أن هذه الكلمة كثر استعمالها فلا يقاس عليها.
3 ـ أن هذا الاسم علم غير مشتق، أتى به على هذا المثال من البناء من غير أصل يُرَّد إليه، فينزل منزله سائر الأسماء والأعلام، والمعتمد في هذه الأوجه الوجه الأول، والله أعلم.
المسألة السابعة عشر
همزة بين بين متحركة أم ساكنة
رأي الكوفيون:
قالوا أن همزة بين بين ساكنة.
رأي البصريون:
قالوا أنها متحركة.
حجج الكوفيون:
الدليل على أنها ساكنة؛ أن همزة بين بين لا يجوز أن تقع مبتدأه، ولو كانت متحركة لجاز أن تقع مبتدأه، فلما امتنع الابتداء بها دلَّ على أنها ساكنة؛ لأن الساكن لا يبتدئ به.
حجج البصريون:
الدليل على أنها متحركة؛ أنها تقع بين بين في الشعر وبعدها ساكن في الموضع الذي لو اجتمع فيه ساكنان؛ لأنكسر السياق قول الشاعر:
أأن رأت رجلاً أعشى أضرَّ به ريب الزَّمان ودهرٌ مفسدٌ
فالنون ساكنة وقبلها همزة مخففة بين بين، فعلم أنها متحركة؛ لاستحالة التقاء الساكنين في هذا الموضع.
رد البصريون على الكوفيين:
ـ قولهم أنه لا يجوز أن تقع مبتدأه، قلنا إنما لم يجز أن تقع مبتدأه؛ لأنها إذا جعلت بين بين اختلس حركتها وقربت من الساكن، والابتداء إنما يكون بما تمكنت فيه حركته، وإذا جعلت بين بين فقد زال ذلك التمكن وقربت من الساكن، وكما لا يجوز الابتداء بالساكن فكمذلك لا يجوز الابتداء بها.
المسألة الثامنة عشر
هل يجوز ترخيم الاسم الثلاثي
رأي الكوفيون:
قالوا يجوز ترخيم الاسم الثلاثي إذا كان أوسطه متحركًا وذلك نحو: في عنق ياعُنُ، و في حجر يا حَجمَ.
رأي البصريون:
قالوا أن ترخيم ما كان على ثلاثة أحرف لا يجوز بحال.
حجج الكوفيون:
قلنا يجوز ترخيم ما كان ثلاثة أحرف وأوسطه متحرك؛ لأن في الأسماء ما يماثله ويضاهيه، نحو: يَدٍ و دَمٍ، والأصل في يد يَدَيٌ وفي دم دَمَوٌ.
وقول الشاعر: فلو أنَّا على حجرٍ ذبحنا جرى الدَّميا بالخيرِ اليقين
؛ لأنهم اشتقوا الحركة على حرف العلة فيها؛ لأن الحركات تستثقل على حرف العلة فحذوه طلبًا للتخفيف وفرارًا من الاستثقال.
حجج البصريون:
أما قلنا لا يجوز؛ لأنّا أجمعنا على أن الترخيم في عُرفِ النحويين إنما حذفٌ دخل في الاسم المنادى إذا كثرت حروفه طلبًا للتخفيف وهذا في محل الخلاف، فلا حاجه بنا إليه؛ لأن الاسم الثلاثي في غاية الخفة فلا يحتمل الخلاف.
رد البصريون على الكوفيين:
ـ أما قولهم إنما جوزنا ترخيمه؛ لأن في الأسماء ما يماثله فيرد عليهم البصريون من وجهين: 1 ـ أنا قلنا أن هذه الأسماء قليلة الاستعمال بعيدة عن القياس وأن القياس يقتضي إلاّ يحذف؛ لأن حرف العلة إذا كان متحركًا فلا يخلو، أما أن يكون ما فبله ساكنًا أو متحركًا فإذا كان ساكن يقلب إلا يحذف؛ لأن الحركات تستثقل على حرف العلة، إذا قبله متحرك لا ساكنًا أما إذا متحرك فيقلب ألف ولا يحذف مثل: رحىً، عَمىً، غصًا، وقفًا.
¥