ـ[أبو قصي]ــــــــ[28 - 12 - 2008, 10:15 ص]ـ
فبُح لانَ منها بالذي أنت بائحُ.
أحببتُ أن أنبِّه على كلامٍ لي لا يزالُ الأخُ الكريم / بهاء الدين يحتقبُه على ظهرِه، وكلَّما أعرضَت له مناسِبةٌ يظنُّها مؤاتيةً لهُ، وضعه، واحتالَ في طلبِ ما يُظاهِره من المطاعنِ، والتُّهَم؛ يظنُّ أنَّه بذلكَ ينالُ منِّي، ويشوِّه سمعتي. وقد كان في المرَّات السابقةِ يُرفق صورةً لهذا الكلام، حتى يكونَ أبلغَ في التوثيق، ولعله قد نسيَها هذه المرَّة. وأنا لا أعجبُ أن يفعلَ هذا رجلٌ إذا نادَاه أحدٌ بـ (أستاذي)، أو (شيخي)، ظنَّ نفسَه (وليَّ نعمتِه)، و أحلَّها مُحلَّ (المنعمِ المتفضِّل عليه، الذي له من الحقِّ مثلُ ما لأبيهِ، أو أشفُّ)، ولم يقابلِ إحسانًا بإحسانٍ، ولا خفضًا بخفضٍ.
ولا أعجبُ أن يَّفعلَ هذا رجلٌ قيلَ له:
وتحكمون بهذا دون دليل ولا نظير ولا نص
- وهو كما ترى كلامٌ ليس فيه بأسٌ، ولا عليه مأخذٌ -، فعدّه جريمة ينبغي أن يُّعاقبَ عليها بهذا العقابِ:
أرجو ألا يدعوني شيخا ولا أستاذا،
نعوذ بالله من أن نختدَعَ عن أنفسِنا!
ولا أعجبُ أن يفعلَ هذا رجلٌ أكرمناه، ورحبنا في ملتقَى أهلِ اللغة، فلم يقعْ هذا في نفسِه موقِعَه عندَ أهلِ الفضلِ؛ وإنَّما تطاولَ، ولم يحترِم مَن يحاوِرُه، وذهبَ يسعَى في الإزراء على الملتقَى. ولم أكن أعرِف السببَ الذي بعثَه على هذا، حتى عرفتُه الآنَ بعد أن أن أظهرَه بنفسِهِ؛ وهو وصفُ الأخ عليّ لي بـ (العلامة البحاثة)؛ وأعوذ بالله من الحسَدِ، والبغي، والعُدوان؛ وهل يغارُ من مثل هذا إلا الضرائرُ. [مع أني دون ما ذكر الأخ الحبيب عليٌّ]
ولا أعجب أن يَّفعلَ هذا مَن إذا أثنى عليه أحدٌ، شكرَ له، وقارضه ثناءً بثناءٍ، وعدَّه منصِفًا، منتصِرًا للحقِّ. وإذا أثنى أحدٌ على غيره عَدَّه جائرًا، غير منصِفٍ، وأخذ يقذفه بما يشاءُ من التُّهَم؛ بل حمَّل المُثنَى عليه وِزر المُثني.
أمَّا هذه الكلمةُ التي لا يَزالُ يَذكرها، فلم أشأ أن أردَّ عليها، أو أبيِّن حقيقتَها، اتِّكالاً منِّي على فطنةِ القارئِ، وأن يَّكونَ كما أظنُّ عارفًا بمنازعِ القولِ، وأهواء النُّفوسِ، وصيانةً لقلمي أن أغمسَه في هذا المستنقَع الوبيلِ، ولنفسي أن أضعَها هذا الموضعَ الذي لا أرضاهُ.
ولكنِّي تذكرتُ أنَّ الناسَ ليسوا على درجةٍ واحدةٍ من الفَهم، والبصَر، وتذكرتُ سوءَ الظنِّ الغالبَ على كثيرٍ من النَّفوسِ، فآثرتُ أن أبيِّنَ حقيقةَ الأمرِ بإيجازٍ؛ فأقولُ:
إن قولي هذا لم أرِد بهِ الثناءَ على نفسي، ولا التزكيةَ لها؛ فهذا لا يقولُه إلا ملتبَسٌ بعقلِهِ. والكلامُ إذا اقتُطِع ممَّا قبلَه، وما بعدَه أوشكَ أن يكونَ ملبِسًا، أو محتملاً محاملَ شتَّى.
وهذا القولُ سببُه أن الأخ / بهاء الدين حفظه الله بعد أن ردَّ عليَّ كما ذكرتُ بتنفُّخٍ، و (أستاذيةٍ) معروفةٍ عنه، فِعْلَ مَن يرى نفسَه المعلِّمَ الأكبرَ، والناس كلّهم تلاميذه، رددتُّ عليهِ بالحججِ الكثيرةِ، وذكرتُ هذا القولَ، لغرضٍ وَّاحدٍ؛ وهو أن أبيِّن أن كثيرًا من (دكاترة الجامعاتِ) مفتونونَ بالألقابِ، والأسماءِ؛ فإذا رأوا حرفَ الدالِ مقدَّمًا بينَ يدي اسمٍ، أو رأوا الاسمَ لأحدِ المتقدِّمينَ، فمهما يقلْ، يقدَّر قولُه، إما للشهادةِ، وإما للقِدَم، ولا يعنيهم ما وراءَ ذلكَ من العلمِ الذي هو القصدُ، ولا ما في الرأيِ من الحججِ بغضِّ النظرِ عن صاحبِه. فذكرتُ أني لو كنتُ من المتقدِّمين، لوجدتَّه يعظِّم رأيي، لأني من المتقدِّمينَ، لا لصِحَّة الرأيِ - وهذا مثالٌ مضروبٌ يصدُق على غيري أيضًا -. وكذلك شأنُ أصحاب الجامعات كما أعرفُهم مخدوعون بأنفسِهم، مأخوذون بالألقابِ، والأسماء. وكثير منهم لا يَرون الحقَّ إلا ماكانَ صادرًا عنهم، ولا يرون لأحدٍ أن يَّتكلم في اللغةِ إلا أن يكونَ منهم!
هذا هو الذي قصدتُّ من قولي.
أما وصْفُ الأخ / بهاء الدين لي بالجهلِ، فأنا أقِرُّ أنَّ ما أجهلُه أكثرُ ممَّا أعلمُه. وإذا شاءَ، فليخترْ أحدَ هذه العلومِ، وليناظرْني في أيِّ مسألةٍ منها:
النحو، التصريف، أصول النحو، البلاغة، العروض، الإملاء، الأدب، الشعر،
وليرنا علمَه، ولا يفرَّ عن الحوار كما فعلَ من قبلُ مرتينِ.
قلتُ هذا عن كراهيةٍ منِّي، لأدفعَ هذا التجاوزَ من أخي بهاء الدينِ. وإلا فلا واللهِ ليس في قلبي عليهِ غلٌّ، ولا حِقدٌ، ولا على أحدٍ ممَّن أساءَ إليَّ، أو سمِِعَ فيَّ قولَ زورٍ، أو حكمَ عليَّ بالظِّنةِ. وأنا مبيحُه، وكلَّ مسلمٍ إلى يومِ القيامةِ. وإن كان هذا لا يمنعني من أنقدَ ما أرى بصراحةٍ، وبلا مواربةٍ، أو إدهانٍ، ليس لمصلحةِ نفسي، ولكنْ لحمايةِ ما أرى أنَّه الحقُّ، ولنفي الخبالِ عن هذا العلمِ الجليلِ. وربَّما كان في بعضِ الشِّدَّة الصلاحُ، كالطبيبِ يخِز مريضَه بالإبرةِ، وهو لا يريدُ إلا شفاءَه.
هذا، وإن كنتُ أخطأتُ اليومَ، أو قبلَه، فأعتذرُ، وأنا بشرٌ أخطئ، وأصيبُ، وربَّما قدَّرتُ أن الصوابَ في أمرٍ، ثم يكونُ في غيرِه.
وتحيتي لكم.
¥