تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إنهم قالوا من بعد في قراء: قراوي، فشبهوا همزة قراء بهمزة كساء، من حيث كانتا أصلاً غير زائدة، كما أن همزة كساء غير زائدة. وأنت لم تكن أبدلت همزة كساء في كساوي من حيث كانت غير زائدة، لكن هذه أشباه لفظية يحمل أحدها على ما قبله، تشبثاً به وتصوراً له. وإليه وإلى نحوه أومأ سيبويه بقوله: وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهاً.

وللكلام بقية تظهر شأن الشبه اللفظي فمن شاء فليرجع إليه في الخصائص.

فهل حمل التسمية بال على التسمية بالحرف الساكن (اب) أبعد من هذه الحمول التي رأيتها هنا.

أعود إلى تفسير كلام سيبويه:

وإذا سمَّيت رجلاً باضرب أو اقتل أو اذهب لم تصرفه وقطعت الألفات حتَّى يصير بمنزلة الأسماء، لأنك قد غيّرتها عن تلك الحال. ألا ترى أنك ترفعها وتنصبها. وتقطع الألف؛ لأن الأسماء لا تكون بألف الوصل، ولا يحتجّ باسمٍ ولا ابن، لقلّة هذا مع كثرة الأسماء. وليس لك أن تغيِّر البناء في مثل ضُرِب وضورب وتقول: إن مثل هذا ليس في الأسماء؛ لأنك قد تسمِّى بما ليس في الأسماء، إلاَّ أنك استثقلت فيها التنوين كما استثقلته في الأسماء التي شبهَّتها بها نحو: إثْمِد وإصبَعٍ وأبلُمٍ، فإنّما أضعف أمرها أن تصير إلى هذا.

قبل أن اشرح هذا الكلام أقرر ما يأتي:

تختلف أحكام الشبه اللفظي بين الأسماء والأفعال عن أحكام الشبه اللفظي بين الأسماء والحروف.

فالاسم إذا شابه الفعل منع من الصرف، إذا كان علما، والفعل إذا سمي به منع من الصرف ما لم يوافق بناؤه بناء الاسم.

أما الحرف فالاسم إذا شابهه بني، والحرف إذا سمي به أعرب.

نأتي إلى قول سيبويه السابق، ونقول: لماذا اختار سيبويه هذه الأفعال الثلاثة (اضرب واقتل واذهب)؟ أقول:

اختارها لأنها تقابل الأسماء الثلاثة: (إثمد وأبلم وإصبع)، فهذه الأسماء الثلاثة ونحوها إذا سمي بها منعت من الصرف لأنها تشبه هذه الأفعال الثلاثة، مع أن ألفات الأفعال للوصل وألفات الأسماء للقطع، وهذه الأفعال الثلاثة إذا سميت بها منعت من الصرف وقطعت ألفاتها لتتفق مع همزات هذه الأسماء الثلاثة ونحوها، وكرهوا أن يوجد في الأسماء بناء: إفعِل وإفعُل، وإفعَل، وتكون الأسماء الواردة على هذه الأبنية مرة بهمزة الوصل، ومرة بهمزة القطع، فأوجبوا أن تكون الهمزات كلها للقطع تبعا للأسماء. لأنهم لو تركوا همزات الأفعال للوصل في حال التسمية لوجد نحو: اضرب وإثمد، اسمين أحدهما بهمزة وصل والآخر بهمزة قطع، وبناؤهما واحد في الابتداء وهذا تفسير قول ابن السراج الذي نقله أبوعلي في التعليقة:

الاسم حقه أن يصاغ صياغة لا ينتقل ولا يخرج منه حرف ويدخل حرف، فلذلك وجب قطع الألف.

ولم تقطع الألفات لتكون على بناء من أبنية الأسماء، لذلك نبه سيبويه إلى أنه لا يجوز تغيير بناء الفعل في التسمية ليوافق بناء من أبنية الأسماء، فلا يجوز تغيير ضُرب وضورب إذا أردت التسمية بهما ليوافقا بناء من أبنية الأسماء.

قال أبوعلي: كأن قائلا قال: إذا سميت باضرب فقطعت ألف الوصل ليكون كالأسماء، فكذلك إذا سميت بـ (ضُرِب) ونحوه، فغيّرِ البناءَ ليوافق البناء بناء الاسم. اهـ.

فأجاب سيبويه: وليس لك أن تغير البناء في مثل ضُرب وضورب ..

وإنما قطعت الألفات في هذه الأفعال الثلاثة ونحوها لما ذكرت لك لئلا يكون ثمَّ بناء تكون الأسماء التابعة له مرة بهمزة الوصل ومرة بهمزة القطع.

فهذه الأسماء الثلاثة التي ذكرها سيبويه منعت من الصرف في التسمية بها لأنها شابهت هذه الأفعال الثلاثة التي ذكرها، وهذه الأفعال الثلاثة في التسمية شابهت هذه الأسماء الثلاثة فمنعت الصرف وقطعت ألفاتها.

ثم حمل كل الأفعال المبدوءة بألفات الوصل على هذه الأفعال الثلاثة ونحوها، ليجري الباب كله على سنن واحد.

والدليل على ذلك قول سيبويه في موضع آخر:

وإذا أردت أن تجعل اقتربت اسماً قطعت الألف، كما قطعت ألف اضرب حين سمَّيت به الرجل، حتَّى يصير بمنزلة نظائره من الأسماء: نحو إصبع.

أما الحرف فليس بينه وبين الاسم بناء مشترك أصلا، لأن الأصل في الحروف أن تكون على حرف أو حرفين، وما ورد على أكثرَ خارجٌ عن الأصل.

نأتي إلى التسمية بال ونسأل: هل يؤدي بقاء الهمزة للوصل في التسمية بال إلى وجود بناء مشترك بينه وبين الاسم بحيث تكون الأسماء الواردة على هذا البناء مرة بألف الوصل ومرة بألف القطع؟

والجواب: لا، لأنه لا يوجد في اللغة اسم مؤلف من همزة قطع وحرف ساكن، فلما أمنوا أن يرد على البناء الواحد اسم بهمزة قطع وآخر بهمزة وصل، لم يقطعوا همزة ال، وبناء على هذا المبدأ أجاز سيبويه أن يأتي الاسم مؤلفا من همزة وصل وحرف ساكن في باب التسمية بالحرف الهجائي الساكن، وقال إنه لا يضر بقاء الاسم على حرف واحد في الوصل.

وفي رأيي أن كل من فهم غير هذا من كلام سيبويه فليس بمصيب وإن أوتي من الشهرة أوفر نصيب.

مع التحية الطيبة.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير