ينتهي المثنى المرفوع بألف ونون والمنصوب والمجرور بياء ونون، وينتهي جمع المذكر السالم المرفوع بواو ونون والمنصوب والمجرور بياء ونون، ولكن هذا التغير المرتبط بالإعراب لا يعد عند سيبويه علامة إعراب؛ لأنه أراد تعميم نمط العلامة الإعرابية وهي الحركة. قال الأعلم: "واعلم أن الألف والياء في التثنية والياء والواو في الجمع عند أكثر شارحي كتاب سيبويه من حروف الإعراب بمنزلة الدال من زيد والألف من قفا" [1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn1).
ومعنى ذلك أن ليس في المثنى والمجموع علامة ظاهرة للإعراب وما يظهر هو حرف الإعراب. ويؤكد الصفار أنهما لا يدخلان تحت المجاري "فلو أراد دخول هذا تحتها لقال: وهي عشرة أو أكثر على ما يتعدد" [2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn2). أما الزيادة في المثنى والمجموع فعدها سيبويه حرف إعراب [3] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn3). وهو كما يبين الصفار الحرف الذي يحله الإعراب لا حركة الإعراب نفسها [4] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn4).
أفيكون الاسم بلا علامة؟ كلا فنمط الأسماء المعمم هو ما ينتهي بعلامة إعرابية. ولذلك تقدر الحركة تقديرًا، وهذا ما يعبر عنه الأعلم بجلاء في قوله: "فإن قال قائل: هل في هذه الحروف حركة في النيّة، فالجواب أنّ فيها حركةً مقدرةً وإنْ لم ينطق بها استثقالا لها كما تكون في عصا وقفا حركة منوية، من قبل أن هذه الحروف لمّا دلت على تمام معنى الكلمة في ذاتها وأشبهن ألف حبلى وقفا جرين مجراها في نيّة الحركة إذْ لا موجب للبناء" [5] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn5).
وتذكر كتب النحو مذاهب مختلفة في إعراب المثنى وجمع السلامة وكلها تحاول على اختلافها إعادة المختلف إلى النمط الأساسي. فمنها مذهب ثعلب أن الأحرف بدل من الحركات، فالألف في (زيدان) مثلا بدل من ضمتين كأنه قال: زيد وزيد [6] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn6). ومنها أنها علامات إعراب نابت عن الحركات، ومنها أنها أحرف إعراب وقدرت فيها العلامات وهذا مذهب سيبويه. ومنها أنها أحرف إعراب والانقلاب فيها هو علامة الإعراب وهذا مذهب الجرمي [7] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn7). وينسب إلى الأخفش والمبرد والمازني القول بأن هذه الأحرف ليست بأحرف إعراب ولا هي علامات إعراب وإنما هي دلائل على الإعراب [8] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref1) الأعلم الشنتمري، النكت، 1: 120.
[2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref2) الصفار، شرح الكتاب، 1: 294.
[3] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref3) سيبويه، الكتاب، 1: 17.
[4] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref4) الصفار، شرح الكتاب، 1: 295.
[5] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref5) الأعلم الشنتمري، النكت، 1: 121.
[6] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref6) الزجاجي، الإيضاح، 1: 297.
[7] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref7) المبرد، المقتضب، 2: 153.
[8] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref8) المبرد، المقتضب، 2: 154. وانظر: الصفار، شرح الكتاب، 1: 299 - 300.
ـ[جلمود]ــــــــ[16 - 12 - 2008, 08:33 م]ـ
الأستاذ الفاضل أبي أوس،
سلام الله عليكم،
بدءا أحب أن أشكركم على هذه النوافذ التي تتيح للعقل فسحة من التأمل العميق في نحونا التليد.
ثم إنني أريد أن ألفت أنظاركم إلى أن العلماء مختلفون حول مقصد سيبويه من قوله في إعراب المثنى: " حروف الإعراب "، والمسألة مبسوطة عند السيرافي قي شرحه للكتاب (1/ 219ــ222).
والمتأمل في كلام سيبويه ومراده في هذا الباب يكاد يقطع بأن مراد سيبويه في الألف والياء من المثنى أنهن إعراب بمنزلة الضمة والكسرة في دال زيد.
ومن الأدلة التي ذكرها السيرافي على ذلك:
1ـ فإذا زعمتم إن هذه الحروف بمنزلة الدال في زيد والألف في عصا، وأنه لا إعراب فيها فلم سماها سيبويه حروف الإعراب؟
2ـ ويدل على صحة ما قلت قول سيبويه: اعلم أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زائدتان الأولى منها حرف المد واللين، وهو حرف الإعراب غير متحرك ولا منون يكون في الرفع ألفا، والرفع لا يكون إلا إعرابا، وقد جعله سيبويه رفعا، فصح أنه إعراب.
بل إن المتطلع إلى أدلة الفريق الآخر (القائلين بأنهم ليسوا حركات إعراب) ليرى أنهم لم يستدلوا بكلام سيبويه على مراده وإنما طفقوا يبينون صحة ما ذهبوا إليه بغض النظر عن مراد سيبويه، فأدلتهم ليست إلا أدلة على صحة ما ذهبوا لا ما أراده سيبويه.
ربما كان منشأ تفسير كلام سيبويه على هذا النحو الذي يخالف مراده عندنا ــ يرجع إلى تلميذه وناقل كتابه وسنده الوحيد أبي الحسن الأخفش، فقد صرح برأيه في تعليقاته على كتاب سيبويه، حيث قال:
"ليس في الاثنين ولا في الجميع ولا الواو ولا الألف بحرف إعراب ولا إعراب ... " هامش الكتاب (1/ 18)
والله أعلم!
¥