من لا يزال شاكراً على الـ مَعَه فهو حر بعيشة ذات سعة
وهذه كذلك اتّفق العلماء على أنها ضرورة، إلا أن من المحدثين من أجاد استخدامها ومنهم من أساء ذلك، ومثال ما استحسنّاه، قول الشاعر اللبناني يوسف الخال:
خيوطها أنا الـ غزلتها ..
من المجاهل الـ وراء قبرص الحبيبة.
والشاهد هنا إدخاله (ال) على الظرف (وراء) ولا بأس به لاستقامة الوزن، أما قوله (الـ غزلتها) ففيه إدخال (ال) على الماضي وقد تقدّم ذكره ولم يَرِد عن العرب أنهم جاؤوا بمثله.
أمّا مثالُ الرداءة فقول محمد الخباز:
أينه الثقب ياترى الـ عبْره ينفذ الدعاء؟
فلقد ضجَ داخلي ياإلهي من النداء (12)
فبمجرّدِ قراءتِك لهذا البيت تنفرُ مسامعُك!! إذ يخترق شذوذها ونتوؤها مداركَك، ولا تفتأ تُعيد القراءة والنظر علّك تستوعبُ قصد الشاعر وتفهم أنّ (ال) هذه إنما يقصد بها (الذي)
فالشاعر إذا ما أدخل (ال) الموصولة على أيّة لفظة في نصه سواء كانت فعلاً أو اسماً أو حرفًا على سبيل الضرورة الشعرية، فعليه أن يُذيبها في أبياته ويصهرها في روعة المعنى بحيث تأتي دقيقة لدرجة أنها لا تُرى واضحة فيستسيغها القارئ ولا يصطدم بها بل لا يسأل عنها لفرْطِ انسجامها مع النص ..
وكما أدخلوا (ال) على حروف الجر، أدخلوها كذلك على ما النافية،
ولستُ أستغرب ذلك الآن خاصّةً بعد كل تلك الشواهد البالغة الشذوذ!!
ومن ذلك قول الشاعر السوري ياسر الأطرش في قصيدته (رائحة الشمال): (13)
لا يحب الشاي والدفء الدخيلُ
ولا النخيل الـ مابه طعمُ البيوت
وكذلك قول الشاعر المصري رامز النويصري: (14)
لم أهز أضلعي أضلعكْ
كانت عصية, تحمل أرجوحتي
جدائلكِ الـ ما أراها .. كي تفيض بالقرنفل
و أثناء تسكُّعي بين المواقع الأدبية على الشبكة العنكبوتية، لفت انتباهي بيتٌ لشاعرٍ مُعاصر أدخل فيه (ال) على (علّ) والعجيب في الأمر أنّ (الذي) بكل اسميّته وموصوليّته وهو أعم من (ال) في دخوله على الجمل الاسمية والفعلية، لا يدخل على (علّ) فلا نقول مثلاً (صادفتُ صديقي الذي علّه يصفح عني)!! فكيف بـ (ال)؟؟!!
وهو قول الشاعر الفلسطيني تركي العامر: (15)
بدواء يشفي القلب من الـ علَّه
خطر محدق ... بحياتك لو هربت كلمة
من أغنيةٍ تحرق.*
وتمادى الشعراء في التّلاعب بـ (ال) ربما لشدِّ الأنظار وربما للتجديد، للتغيير، لكسر الروتين وكأنما اللغة تبلى وتحتاج ثوباً جديداً لائقاً يقحمونها فيه، وهي لغة الكتاب العتيق!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العذب السلسبيل بتيسير شرح ابن عقيل، لأبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل ص111
(2) ديوان الشاعر (متسع للرحيل) ص35
(3) من موقع وجيه عباس www.wajeehabbas.com
(4) موقع جسد الثقافة http://www.jsad.net/
(5) ديوان الشاعر (أشعار مجنونة) ص104
(6) شاعر سعودي وناقد وباحث في التاريخ، صدرت له أكثر من ستة دواوين شعرية وله كتابان نقديان ..
(7) شاعر سوري مواليد1965 له ديوان أناشيد مبللة بالحزن، ويا جبال أوبي معه.
(8) شاعر سعودي من القطيف له ديوان سيرة وعي.
(9) ديوان الشاعر (سيرة وعي) ص79
(10) ديوان الشاعر (سيرة وعي) ص 22
(11) www.arabsline.net
(12) من ديوان سيرة وعي، ص45
(13) شاعر سوري من الجيل الجديد له ديوان (بين السر وما يخفى)
و (قلبي رغيف دمٍ مستدير).
(14) رامز رمضان النويصري مواليد القاهرة 1972له ثلاثة إصدارات.
(15) شاعر فلسطيني مواليد قرية حرفيش الجليليّة 1954 أصدر حتى الآن 11 كتاباً.
*جميع الأبيات التي لم تؤخذ من دواوين شعرائها أو مواقعهم إنما جُمِعتْ من موقع ديوان العرب www.adab.com
تم بحمد الله
في انتظار آرائكم أساتذتي .. : rolleyes:
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 10:31 م]ـ
ما شاء الله ..
أحسنت صنيعا.
لفت نظري عناوين المواقع الاكترونية في هوامش التوثيق.
وهو شيء جديد أراه
ـ[قافية]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 11:53 م]ـ
شكراً لك أستاذي الفاضل .. بحر الرمل
:) شهادة أعتزُّ بها ..
وأنا بانتظار تقييم أساتذة الفصيح الكرام للبحث .. إذ أنني وبعد أن سهرتُ اللياليا
شعرتُ بأن جُهدي قد ذهب أدراج الرياح ..
;)
حيث لم أحصل على أي تشجيع أو نقد من الدكتورة التي يُفترض بها الإشراف على البحث ..
عدا العلامة الكاملة:)
وليس هذا طبعاً ما أطمح إليه ..
ولأنه أول بحثٍ لي أحببتُ أن أعرف إن كان ثمة مواطن خللٍ به .. كي أتّقيها في بحوثٍ قادمةٍ لو وفّقني الله للماجستير .. ( ops
ـ[ياسين الساري]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 09:11 م]ـ
والله ما أرى الريح الا فرحة بحمل ما صنعت، لا ليذهب أدراجها بل لتحمله على بساط من ذهب وتطوف به الى المتعطشين لمثل هذه الانجازات الثرية
بارك الله لك في عملك
ويسر لك طريقك ومسعاك
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 09:00 ص]ـ
أعجبتني تلك القافية المنسابة المطيعة التي تتأتى لشاعرتها.
ما أجمل هذا البحث، وأجمل منه أمانتك العلمية، وأجمل منهما حب الخير للآخرين، فنشكر كرمك أنْ جُدتِ علينا به.
جزاكِ الله خيرا
¥