ونرى أن ادخال (ال) في هذا الموضع غير مناسب البتة لما فيه من ثقل على المسامع وصعوبة في النطق فقد حشد مجموعة من الكلمات في كلمة واحدة ((ال) بدلاً من الذي –الفعل الماضي تنفس-تاء الفاعل-هاء الضمير) ... كل ذلك كان حجر عثرة دون وصول الموسيقى بعذوبة الى أذن المتلقي .. بالإضافة الى ما في إدخال (ال) على الماضي من غرابة.
ويقول الشاعر السعودي محمد خضر:
ليس لدي الآن ذاكرة، مطاطية لأمد سياج الكلمات
إلى صديقتك الصادقة، الـ عرفناها سوياً ...
فبالإضافة إلى كوْن قصائده نثرية ولا مسوّغ لضرورة شعرية فيها حيث لا يلتزم وزناً ولا قافية،
نلاحظ تعثُّر هذه الكلمة في المسامع بسبب طولها وغرابتها كما في المثال السابق.
ويقول الشاعر السوداني عالم عباس محمد نور:
وإذا بالصوتِ الملكوتي الرقراق يرنُ كموسيقى الجنة
نفس الصوت الـ هَزَّ الوتر العاشر
بعد الألف بأعماقي، نفس الصوت الرَيَان
ويقول الشاعر العراقي وجيه عباس في قصيدةٍ له بعنوان (في هذا الزمن السقيم) (3)
مطرٌ والريحُ تغتسلُ والنواقيسُ الـ بكتْ مُقَلُ
أنت يا أخدودها الـ يبستْ رئتاهُ وهو يرتحلُ
وعلى الرّغم من غرابتها إلا أننا قد نستسيغها في هذه المواضع، وربما سوّغَ ذلك قصرها وخفّتها
على اللسان، بحيث تشغلُنا موسيقى النص الرقيقة عن الاصطدام بها والتساؤل حولها!!
ويقول الشاعر حسن الصلهبي:
فَمَنْ يَرْتَو مِنْ أَسْفَلِ البِئْرِ يَرْتَوِ
وَمَنْ يَتَّقِ رَشْفَ الجُنُونِ يُعَنَّفِ
فَهَلْ تَحْمِلِيْنِي لِلنُجُومِ الْـ تَوَسْدَتْ سَرِيْرَ الدُجَى؟؟ (4)
ويقول الشاعر عبد الناصر حداد في قصيدة له بعنوان (الدليل):
كنتُ اُشعل قلبي , وأشمس في الظلمة الحجرية ِ
كانوا على عجل يغفلون
وكنت الـ وجدتكِ مثلي
كيف لم تبصريني.
ولم يكتفِ الشعراء في عصرنا الحاضر بإدخال (ال) على المضارع أو الماضي بل تجاوزوا ذلك إلى إدخالها على الأفعال الناقصة!!
فنجدهم يدخلونها ببساطة على (كان و ليس) .... ولا أصل لذلك في اللغة، ولعلّهم يحذون في ذلك حذو نزار قبّاني حيث يقول في قصيدة (أتوفيق .. ماذا أقول لهن):
سأخبركم عن أميري الجميلْ
عن الـ كان مثل المرايا نقاءً
ومثل السنابل طولاً
ومثل النخيلْ ... (5)
كذلك يقول الشاعر السعودي معيض البخيتان: (6)
كل الدروب الزرق آونة والجون والـ كانت ولم تكنِ
ويقول الشاعر عبد الناصر حداد:
سيَدي هاك قلبي الذي أملكُ
ودمعي الـ ليس لي.
هاك روحي الحزينة هاك دموعي وعينيَ
جلدي وعظمي وماتتشهَى
ويقول الشاعر عيسى الشيخ حسن (7)
وازرعني في السهل الملتهب القمح, السهل المفضوح
بقامتها المشلوح على وردة دوحي
كان بعيداً من رسائلنا النائحة على الـ كان بعيدا
وكذلكَ أدخلوها على الحروف وقد كُنّا شهِدنا إدخال القُدامى لـ (ال) على الظروف
ولعلّهم فعلوا ذلك لشَبَه الحرف بالظرف كوْنهما يمثِّلان شبه الجُملة،
فمن إدخالهم (ال) على الحروف، قول الشاعر السعودي محمد الخباز (8)،
وهو يُكثر في ديوانه من التّلاعب بـ (ال):
للجسم ام في الرحم تحمله
والروح لكن من الـ بها حملا
والجسم يمشي ولا يطيق يداً
تمسكه حتى إن مشى ثملا (9)
حيث أدخل (ال) على حرف الجر (الباء)،
بل وأدخل (ال) على ياء النداء في سياقٍ لا نحسبه من العربيّة في شيء!! حين قال:
تقدَم باتجاه الـ يا لخيبته .. فلم يخطر له أني بدون جهات ْ
تورَط بي ومهما سار قاربه ... تعانده فلا تسري به الموجاتْ (10)
ولربّما لاحظوا دخولها على حرف الجر في أحد أبيات نزار قباني فراقهم التمرّدُ على القواعد وقلّدوه، يقول نزار في قصيدته (رصاصة الرحمة): (11)
وكسرتُ احتكار عينيك بالعنف
وأنقذتُ جيشي المهزوما
فإذا أنتِ حائطٌ اثريٌ
والرسوم الـ عليه لسن رسوما
أي التي عليه، وليست هذه الوحيدة لنزار فقد أدخل (ال) كذلك على الاسم محاكاةً لقول أحد الشعراء القدامى والذي جرى شاهداً في كتب النحو والضرائر:
من القومِ الـ رسول الله منهم لهم دانت رقاب بني معدِ
وقد اتّفق العلماء على أنها ضرورة لذا لا نؤاخذُ نزاراً عليها .. قال:
تلك الـ عيناها اصفى من ماء الخلجان
تلك الـ شفتاها أشهى من زهر الرمان.
أي التي شفتاها والتي عيناها، و من الشعراء المُحدثين من أدخل (ال) على الظرف وقد أوردنا شاهداً على ذلك في المبحث الأول وهو قول أحد الشعراء القُدامى:
¥