تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبيّن سيبويه الفرق بين هذا المثال والذي قبله أن في (معه) علامة إضمار ظاهرة وهي الهاء، أي أن الضمير وهو صاحب الحال الأول في (معه) ضمير ظاهر، فعَلَم المضمر في معه هو هاء الغائب، أما في المثال الثاني (مع امرأة) فليس للضمير عَلَم ظاهر أي: علامة ظاهرة، وإنما هو مضمر في النيةأي (استقر هو مع امرأة) واستدل سيبويه على استتار الضمير في (مع امرأة) بأن هذا الضمير يُؤكَّد بـ (أجمعون) فيقال مثلا: مررت بقوم مع فلان أجمعون، لأن التقدير: مررت بقوم استقروا مع فلان أجمعون، فأجمعون تأكيد لواو الجماعة المستتر في الظرف النائب عن الفعل (استقروا).

ثم قال سيبويه:

(ومما لا يجوز فيه الصفة: فوق الدار رجل، وقد جئتك بآخر عاقلين مسلمين، وتقول: اصنع ما سرّ أخاك وأحبّ أبوك الرجلان الصالحان، على الابتداء، وتنصبه على المدح والتعظيم كقول الخرنق:

لا يبعدن قومي الذين هم ***** سمّ العداة وآفة الجزر

النازلين بكل معترك ****** والطيبون معاقد الأزر.)

فبيّن سيبويه نوعا آخر مما لا يجوز أن يكون صفة لما قبله، كما لا يجوز أن يكون حالا، في النكرة والمعرفة.

ففي المثال الأول (فوق الدار رجل وقد جئتك بآخر عاقلين مسلمين) لا يمكن أن يكون (عاقلين) صفة للرجل والآخر، كما لا يجوز أن يكون حالا منهما، وإنما هو منصوب على المدح بفعل محذوف، وكذلك الرجلان الصالحان يجوز الرفع فيهما على أنهما خبر لمبتدأ تقديره هما، والنصب على أنهما مفعول على المدح لفعل محذوف تقديره (أمدح)، وكذلك (النازلين).

بعد ذلك فسّر سيبويه السبب الذي جعل النصب على الحال جائزا في المثالين الأولين:

(هذا رجل معه امرأة قائمين)

و (مررت برجل مع امرأة ملتزمين)

وغير جائز في (فوق الدار رجل، وقد جئتك بآخر عاقلين مسلمين)، فقال:

(ولا يكون نصب هذا كنصب الحال، وإن كان ليس فيه الألف واللام، لأنك لم تجعل (في الدار رجل وقد جئتك بآخر) في حال تنبيه يكون فيه لإشارة، ولا في حال عمل يكونان فيه، لأنه إذا قال: هذا رجل مع امرأة، أو مررت برجل مع امرأة، فقد دخل الآخر مع الأول في التنبيه والإشارة، وجعلت الآخر في مرورك، فكأنك قلت: هذا رجل وامرأة، ومررت برجل وامرأة.)

يعني سيبويه أنه في قولنا: (فوق الدار رجل، وقد جئتك بآخر عاقلين مسلمين) لا يوجد ما يشرك (الآخر) مع (رجل) في العامل، أي لم ينتظمهما عامل واحد. فالرجل الأول استقر فوق الدار والآخر جيء به، فلا يصح أن تجمعهما حال واحدة. وإن كان (عاقلين مسلمين) مجردا من (الـ)، أما ما فيه (الـ) فلا يقع حالا فلا حاجة إلى تعليل عدم جواز نصب (الرجلان الصالحان) و (النازلون) على الحال.

أما في (هذا رجل مع امرأة) فقد أشركت (مع) المرأةَ في التنبيه والإشارة، فهي أيضا مشار إليها مثل الرجل، والضمير المستتر في (مع امرأة) للرجل لذلك صح أن تجمع الحال بين ضمير الرجل و بين (امرأة).

وكذلك (مررت برجل مع امرأة) الظرف (مع) جعل المرأة ممرورا بها مثل الرجل فصح أن تجمع الحال بين ضمير الرجل المستتر في (مع امرأة) وبين (امرأة) فيقال:

مررت برجل مع امرأة ملتزمين، فيكون المرور حدث وهما على هذه الحال، وكذلك: هذا رجل معه امرأة قائمين، حدثت الإشارة إليهما وهما في حال القيام.

وهذا ما كنت أقصده، ففي البيت محل النقاش (نعود مع الرايات دامية الحواشي)

الظرف (مع) جعل (الرايات) مشتركة في العودة مع الضمير المستتر في نعود فصح أن يجيء الحال منها، فالرايات وإن كانت مضافا إليها لكنها في المعنى اشتركت في الفاعلية لفعل العودة فكأننا قلنا: نعود وتعود الرايات دامية الحواشي.

فلله الحمد أولا وآخرا على هذه النعمة العظيمة، هو مولاي ونصيري، فنعم المولى ونعم النصير.

مع التحية والتقدير

ـ[نبراس]ــــــــ[02 - 05 - 2005, 03:20 ص]ـ

أستاذي الأغر:

كيف تحتج بقول سيبويه, وهو الذي أجاز أن يأتي الحال من المضاف إليه مطلقا (بدون قيد وشرط)

فلِمَ تبحث عن مخرج لها؟

هل تأتي الحال معرفة مطلقا؟

أم لابد أن تؤول بمعرفة إن جاءت نكرة.

مادليلك على عدم جواز إعراب (دامية) نعت؟

أرجو الإجابة والتوضيح.

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[02 - 05 - 2005, 04:47 م]ـ

أخي نبراس العزيز

لم أقف على نص صريح لسيبويه يجيز فيه مجيء الحال من المضاف إليه مطلقا.

ولا تأتي الحال معرفة، وما جاء منه مما ظاهره أنه معرفة ففيه تأويل.

أما دليلي على أنه لا يجوز أن تكون (دامية) صفة للرايات فقد ذكرته في بداية الموضوع، وأزيد هنا فأقول:

(دامية الحواشي) صفة مشبهة أضيفت إلى فاعلها فالنية بها الانفصال، أي دامية حواشيها، ولا يجوز أن نصف المعرفة بها، فلو أردنا أن نصف الرايات بها وجب أن نقول: مع الرايات الدامية الحواشي، مثلما نقول: مررت برجل طاهر القلب، فإذا أتينا بالمعرفة مثل زيد، لا بد أن ندخل على الصفة الألف واللام فنقول: مررت بزيد الطاهر القلب. قال أبو علي في الإيضاح:

وتقول: مررت برجل حسن الوجه، فتصف به النكرة، وإن كانت الصفة مضافة إلى ما فيه الألف واللام، لأن الإضافة في معنى الانفصال ....

وقال: فإن أردت أن تصف به معرفة أدخلت الألف واللام فقلت: مررت بزيد الحسن الوجه ...

والصفة المشبهة في هذا الأمر مختلفة عن اسم الفاعل، لأن اسم الفاعل إن دل على مضي تعرف بالإضافة إلى معرفة، نحو: جاء زيد معطي عمرو أمس، فهو مثل: جاء زيد المعطي عمرا أمس. أما الصفة المشبهة فلا يصح فيها أن تدل على ماض انقطع وانتهى، وإنما تدل على الحال الذي لم ينقطع عن الماضي المفضي إلى المستقبل.

مع التحية والتقدير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير