تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[04 - 05 - 2005, 11:12 م]ـ

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

لا أدري كيف ساقني الله عزّ وجلّ إلى هذا المنتدى، ولم كتبت فيه؟

وأقول لنفسي أحيانا لو لم يكن لمجيئك إلا كشف ما كانت تخفيه البهارج لكان ذلك كافيا ليسوقك الله إليه، فكيف وأنت تبين للناس وجه الحق الذي صار يخفى على كثير ممن يحسبون أنهم من أهل الاختصاص.

ولو لا أنني لا أحب الجدل لبينت بالتفصيل كل الأخطاء فيما كتب من ردود، وإني لأحسن الظن بالقراء فأدع كثيرا من هذه الأخطاء الواضحة إلى فهمهم وأضن بوقتي ووقتهم أن يهدر فيما لا فائدة فيه.

مع التحية والتقدير لكل مقدر للعلم والوقت والجهد.

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[06 - 05 - 2005, 09:11 ص]ـ

أخي الكريم نبراس

ما دام الكلام مستقيما مفهوما لا إشكال فيه من الناحية المعنوية أو الصناعية أقصد صناعة النحو فلا حاجة إلى تقدير محذوف، وإذا لم يكن في إعراب (دامية) حالا إشكال من هاتين الجهتين فلا حاجة إلى التقدير، أما من حيث المعنى فلا إشكال في أن تكون حالا فالمعنى: نعود مع الرايات حالة كونها دامية الحواشي، أي: نعود مع الرايات وهي قد تخضبت حواشيها بالدم، وأما من حيث الصناعة فقد بينت أن سيبويه أجاز أن يأتي الحال مما أضيف إليه (مع) فلا إشكال فيه، وقد جاء الحال من المضاف إليه على قلة كما يقول ابن الشجري كقول تأبط شرا:

سلبتَ سلاحي بائسا وشتمتني ***** فيا خير مسلوب ويا شرّ سالب

فجعل (بائسا) حالا من ياء المتكلم.

وأجاز أبو علي أن يكون (دارا) حالا من (غمدان) في قول أمية بن أبي الصلت:

اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ***** في رأس غمدان دارا منك محلالا

وأبعد من هذا أن ابن الشجري ذكر في قول المتنبي:

ما قوبلت عيناه إلا ظنتا ****** تحت الدجى نار الفريق حلولا

أن (حلولا) في الظاهر حال من الفريق، ولكنه قال بعد أن أورد شواهد على مجيء الحال من المضاف إليه: والصواب أن يجعل حالا من المضمر في الفريق لأن الفريق هي الجماعة التي تفارق عشيرتها أو غيرهم من الناس.

فجعل الفريق بمعنى المفارقين وقدر فيه ضميرا جعله صاحب الحال، كل ذلك التكلف ليكون العامل في الحال وصاحبها واحدا، وهو أصل غير مطرد على ما أوضحه ابن مالك في شرح التسهيل.

أعود إلى مسألة تقدير فعل قبل (دامية الحواشي) فأقول: إما أن يكون هذا التقدير لقطع الصفة عن الموصوف لأجل المدح أو التعظيم، وهذا لا يصح لأن (دامية الحواشي) نكرة و (الرايات) معرفة فهي ليست صفة في الأصل حتى تقطع.

وإما أن تكون منصوبة على المدح والتعظيم لكونه لا يصح أن يجعل حالا كـ (أناسا) في قول الشاعر:

ولكنني استبقيت أعراض مازن ****** وأيامها من مستنير ومظلم

أناسا بثغر لا تزال رماحهم****** شوارع من غير العشيرة بالدم

وقال الآخر:

ولم أر ليلي بعد يوم تعرضت ****** لنا بين أثواب الطراف من الأدم

كلابيةً وبريةً حبتريًة ****** نأتك وخانت بالمواعيد والذممْ

أناسا عِدًى عُلّقت فيهم وليتني **** طلبت الهوى في رأس ذي زلق أشم

فنصب (كلابية) على المدح ونصب (أناسا) على الشتم، أي: مدحها وذم قومها.

قال سيبويه تعليقا على هذين الشاهدين وغيرهما:

ومما يدلك على أن هذا ينتصب على التعظيم والمدح أنك لو حملت الكلام على أن تجعله حالا ِلما بنيته على الاسم الأول كان ضعيفا، وليس هنا تعرف أو تنبيه، ولا أراد أن يوقع شيئا في حال، لقبحه ولضعف المعنى.

أي لا يصح أن يجعل (أناسا) في الشاهد الأول حالا من مازن إذ لا يصح تقييد استبقاء أعراضهم بكونهم أناسا بثغر، ولا يصح أن يجعل (كلابية) في الشاهد الثاني حالا من ليلى أو ضميرها في (تعرضت) لأنه لا يعقل تقييد الرؤية أو التعرض بكونها كلابية.

ومثل ذلك ما ينصب على الشتم كقول الشاعر:

أمن عمل الجراف أمس وظلمه *****وعدوانه أعتبتمونا براسم

أميري عداء إن حبسنا عليهما****** بهائم مال أوديا بالبهائم

الجراف وراسم عاملان للسلطان ظالمان

قال سيبويه:

نصبهما (يعني: أميري عداء) لأنك إن حملت الأميرين على الإعتاب كان محالا، وذلك لأنه لا تحمل صفة الاثنين على الواحد، ولا تحمل الذي جر الإعتاب على الذي جر الظلم.

يعني لا يجوز نصب الأميرين على الحال لأنه يؤدي إلى إدخال الاثنين معا إما في الإعتاب أو في الظلم.

ومثل ذلك:

إن بها أكتل أو رزاما *****خويربين ينقفان الهاما

لم يصح أن يجعل (خويربين) حالا لوجود أ (أو) ولو أراد الحال لقال: خويربا، لأنه لأحدهما ولكنه أراد شتمهما وهما لصان فقال محقرا: خويربين، بالنصب على الشتم والذم، قال سيبويه نقلا عن الخليل: انتصب على الشتم كما انتصب (حمالةَ الحطب)

وفي قول الشاعر (دامية الحواشي) لا يوجد مانع معنوي أو صناعي يمنع أن تكون حالا من الرايات.

ولا وجه أن يمدح الشاعر (دامية الحواشي) فيكون التقدير: أمدح وأعظم دامية الحواشي، فالمدح إنما هو لفاعل الفعل (نعود): نعود مع الرايات دامية الحواشي، فهو يفتخر بقومه كما أن عمرو بن كلثوم عندما قال:

بأنا نورد الرايات بيضا ****** ونصدرهن حمرا قد روينا

كان مفتخرا بقومه يمدحهم ولا يمدح الحمر من الرايات، فلا يجوز أن نقول: إن (حمرا) منصوب بفعل محذوف تقديره أمدح أو أعظم.

وأما أن يكون (دامية الحواشي) منصوبا بفعل تقديره أعني فغير متجه أيضا لعدم الداعي إليه فهو ليس كبيت الكتاب:

وما غرني حوز الرزامي محصنا ****** عواشيها بالجوّ وهو خصيب

محصن هو نفسه الرزامي فلم يجعله الشاعر بدلا تابعا في الجر للرزامي وإنما نصبه على إضمار فعل تقديره (أعني) بلا مدح ولا ذم، وهذا الفعل يجوز إظهاره، والذي سوغ ذلك أن الرزامي يشمل محصنا وغيره، فنصبه بأعني لتمييزه، وليس في البيت الذي نناقشه ما يدعو إلى هذا التقدير لعدم وجود رايات أخري ليست دامية الحواشي فالرايات التي سيعود معها الشاعر كلها دامية الحواشي.

لكل ما قدمت لا أرى داعيا لتقدير فعل محذوف وجعل الكلام جملتين منفصلتين.

مع التحية الطيبة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير