ـ[حازم]ــــــــ[06 - 05 - 2005, 07:45 م]ـ
وإنَّ سِفاهَ الشَّيخِ لا حِلمَ بَعدَهُ * وإنَّ الفتَى بَعدَ الجَهالةِ يَحلَمِ
روَى الثقاتُ من أهل " الفصيح ":
أنَّ " دامية "، ما زالت تختال بكبريائها، وتشتدُّ في صلابتها وعنادها، وتزهو بجمالها وضيائها.
ومضى " المسكين " يطاردها في أسفاره، فقد باتت مؤرِّقة ليلِه ونهاره، يهيم بها في كلِّ واد، حتَّى فقد صوابَه والرَّشاد.
زاغت عنه علومه، وضلَّت عن الصواب فهومُه، ولم يعد يفرِّق بين المفاعيل والأحوال، ولم يعد قادرًا على استيعاب معاني النصوص والأقوال.
وانكشفت حقيقة أمره، بعد أن انقضى شباب عمره، نسأل الله العافية والسلامة.
وأرَى أنَّ هذا مردُّه العزَّة بالأخطاءِ والغرور، {ومَن لمْ يَجعَلِ اللهُ لهُ نورًا فما لهُ مِن نُور}.
وفي هذا الردِّ، أسلِّط الضوءَ على تعليل جديدٍ لـ" الأغرِّ "، وهو – كما يزعم -، قد استوحاه من فهمه لأمثلة " الكتاب ".
وهذا يدلُّ – والحمد لله – على عدم قناعته بالتعليلات السابقة العليلة، التي ذهب إليها.
فهو، وإن لم يعترف، أنه أخطأ فَهم مراد " سيبويه – رحمه الله -، إلاَّ أنَّ لسان حاله، ومُحتوى مقاله، يؤكَّدان ذلك.
ومَن يتأمَّل محاولة ربطه لجملة " دامية الحواشي "، بمثال " الكتاب "، يلحظ مباشرة ضعف فَهمه لأقوال سيبويه، ومحاولته البائسة لإقامة القياس.
وكان الأولَى به، أن يقتني كتابًا بسيطًا في النحو، سهل العبارة، واضح الشرح، يتناسب مع إمكانية فَهمه، حتَّى يستقيم حاله، ويريح القرَّاء من عناء قراءة ما لا فائدة فيه.
فلننظر، في شاهدي " سيبويه "، أوَّلاً:
" هذا رجلٌ معه رجلٌ قائمين "
" مررت برجلٍ مع امرأةٍ ملتزمين "
لا أرَى أنَّ فساد قياس " الأغرِّ " يحتاج إلى زيادة توضيح، فهو يدركه الطالبُ المبتدئ.
هذه المسألة لم يوافق عليها ابن السراج، في كتابه " الأصول في النحو "، ولم يجز فيها النصب على الحال، فلتراجع هناك.
أعود وأقول: بصرف النظر، عن رأي ابن السراج.
فسيبويه قد أشرك الحال بين اسمين، وهذا الباب قائم على هذا النسق.
فهل يجوز أن نجعل " دامية حالا" لـ" الرايات "، وكذا للضمير المستتر في الفعل " نعود ".
وواضح أنَّ هذا المعنى لا يمكن أن يقبله العقل السليم، إلاَّ عقل مَن حاول القياس.
ثمَّ ختم مَن يزعم فَهم " الكتاب " تحليله:
(ففي البيت محل النقاش " نعود مع الرايات دامية الحواشي"
الظرف "مع" جعل "الرايات" مشتركة في العودة مع الضمير المستتر في "نعود"، فصح أن يجيء الحال منها، فـ" الرايات "وإن كانت مضافا إليها لكنها في المعنى اشتركت في الفاعلية لفعل العودة فكأننا قلنا: نعود وتعود الرايات دامية الحواشي)
قلتُ: هذا التأويل لا يحتاج إلى مثال " الكتاب " ابتداءً، فكان بإمكانك أن تذكر هذا المعنى دون القياس على مثال " الكتاب ".
لأنك بهذا التأويل جعلت جملة " تعود الراياتُ داميةَ الحواشي " جملة مستقلة، والحال من الفاعل " الراياتُ "، وهو أمر لا خلاف فيه.
أرأيتَ أنك لم تستطع فَهم نصوص " الكتاب "، وها أنتَ تتخلَّى عنه لاحقًا، بالهروب من مشكلة مجيء الحال من المضاف إليه إلى تغيير مبنى الجملة لتجعله من الفاعل.
فهل هذا هو مبلغك من العلم؟
وهل هذا هو المنهج النحوي، الذي تزعم أنه ثابت الأركان وثيق العرى؟
قد بدا واضحًا، أنه قد انهار أساسه، وتقطَّعت أمراسه.
ويجب أن تحمد الله، أن ساقك لهذا المنتدى الشامخ، فقد بدأتَ تتعلَّم فوائد عظيمة، لم تكن قادرًا على فَهمها من قبل، ولم تجد مَن يدلُّك عليها.
فهذا المنتدى ذو فضل عظيم عليك، بعد الله.
وأقول: لو استمرَّت هذه المشاركات، فأظنُّ أنك ستستمرُّ في قراءة ألفاظ " الكتاب "، وكل مرة ستأتي لنا بشاهد جديد للقياس.
ولكن لا بأس، سأستمرُّ معك، إلى أن يستقرَّ الصواب، ولن أدع مجالاً للجهل، أو الزيف والتضليل، يظهر على صفحات هذا المنتدى.
وفي الوقت نفسه، أتأمَّل في خَلق الله.
أخيرًا، أقول: إنَّ تأويلك للجملة، تأويل بعيد، والصواب أن تُعرب الجملة وفق مبناها الأصلي، دون الحاجة إلى تأويل أو تحريف.
وهذا هو الفرق، بين مَن أوتي علمًا راسخًا، ومَن لا يجيد إلاَّ نقل المسائل.
ونحن لسنا بحاجة إلى نقل المسائل دون فَهم أو إدراك للمعنى.
ولكن – والله – نحتاج إلى ذوي البصيرة.
وهذا يذكِّرني بعلم الفقه، فإن كان هناك حديثان، ظاهرهما التعارض، قال مَن قصُر فَهمه، ونَقص علمُه: أحدهما ناسخ للآخر.
وقال الذي مَنَّ الله عليه بالفَهم والتوفيق، بل يُحمَل الأول على وَجه، والآخر على وَجه، وبهذا يزول التعارض.
وهذا هو الصواب، لأنَّ النسخ، معناه زوال العمل بأحد الحديثين.
ختامًا، أقول: لن يطول انتظارك يا " دامية "، فقد غلا مهرك، وارتفع قدرك.
ومال هَواكِ، إلَى مَن يهواكِ.
وكأنِّي بكِ قد اخترتِ مرافقة فارسك، واشتقتِ إلى مجالسة حارسك.
مع عاطر التحايا
¥