تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد فطِن له أستاذي الجهبذ / " المهندس "، وأقول: " الجهبذ "، وأنا أعني كلَّ حرف فيها، وكلَّ معانيها، فأرَى أنَّ الله قد وهبه عقلاً وفطنة وذكاءً، إلى جانب علم الهندسة والأدب الجميل، ذي الطابع الأصيل، الذي يستهوي القلوب والعقول، بارك الله فيه وفي علمه وصحته وماله وولده، وزاده نورًا وتوفيقًا.

قال " المهندس ": (ولكنه الأستاذ بديع الزمان سأله سؤالا ينم عن ذكاء فقال:

" هل ترى مانعا من إعراب "صائدا" حالا من رجل المجرورة بالباء؟ "

ولو أجاز الأغر أن يكون "رجل" وليس الضمير هو صاحب الحال لانهدم البناء الذي بناه، ولذا لم يجزها، برغم أن الحال قد تأتي من النكرات.

وذلك مثل قوله تعالى: {ولَمَّا جَاءهُمْ كِتابٌ مِنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقًا لِما مَعَهُمْ} على قراءة الفتح لـ" مصدقا ")

أقول: أحسن الله إليك أيها " المهندس " الكريم، لم يجزها " الأغر "، لأنَّ فهمه لا يصل إليها، ولا يدركها استيعابه.

نعم، يجوز أن تكون كلمة " صائدًا " حالاً من كلمة " رجلٍ ".

قال ابن السراج، في " الأصول في النحو:

(وإذا وصفت النكرة بشيء قربتها من المعرفة وحسن الكلام.

تقول: " جاءني رجلٌ من بني تميم راكبًا "، وما أشبه ذلك) انتهى كلامه

وأما قول " الأغرّ ": (المانع من ذلك أن "صائدا" واقع في الجملة الواقعة صفة للرجل، لأن التقدير كما ذكرت: مررت برجل استقر معه صقر صائدا به، وما يقع في جملة الصفة لا يصح أن يكون حالا من الموصوف)

أقول: هذا دليل عقليّ، وسأردُّ عليه بدليلين عقليين.

الأول: أجاز سيبويه أن تكون " صائدٍ " نعتًا لـ" رجلٍ "، أليس كذلك؟

فإن صحَّت أن تكون نعتًا لـ" رجلٍ "، فكذا تصحُّ أن تكون حالاً منه.

الثاني: في قولنا: " مررتُ برجلٍ خلفَ الشجرةِ مستترًا بها "

لا يمكن أن تكون كلمة " مستترًا " حالاً من " الشجرة "، بل لا بدَّ أن تكون نعتًا لـ" رجل "، أو حالاً منه.

فجاز أن تكون حالاً منه، والضمير في كلمة " بها " يعود إلى جملة الوصف، والله أعلم

فتبيَّن ممَّا سَبق، أنَّ هناك تعليلين، لوقوع كلمة " صائدًا " حالاً.

الأول: أنها حال من كلمة " رجل "

الثاني: أنها حال من الضمير المعرف.

فإن قال لي قائل: فما دليلك على أنها تأتي حالاً من " رجلٍ "، وسيبويه لم يُشِر إلى ذلك؟

قلتُ: من اتِّباع قواعد النحو العامة، وإن لم يُدرك " الأغرّ "، أنَّ سيبويه قد أشار إليها.

والصحيح: أنَّ سيبويه قد أشار إليها إشارة خفيَّة، تَخفَى على " الأغر " الذي يزعم فَهمَه لكلام سيبويه.

انظر – أيها القارئ الكريم -، ماذا قال سيبويه:

(كأنه قال: " معه باز صائدا به "، حين لم يرد أن يحمله على الأول) انتهى

أراد سيبويه أن يستأنف الكلام بقوله: " معه "، وذلك ليتعيَّن أن تكون كلمة " صائدًا " حالاً من الضمير، ويخرج بذلك الاحتمال الأول، وهي أن تكون حالاً من كلمة " رجل "، وإلاَّ فما الفائدة من هذه الجملة؟

قال العالِم الفذُّ، فريد عصره، ابنُ هشام – رحمه الله -، في " مغني اللبيب ":

(قوله تعالى: {وهذا ذِكرٌ مُباركٌ أنزلناه}، الأنبياء 50

فلك أن تقدر الجملة صفة للنكرة، وهو الظاهر، ولك أن تقدرها حالا منها، لأنها قد تخصصت بالوصف، وذلك يقربها من المعرفة، حتى إن أبا الحسن أجاز وصفها بالمعرفة، فقال في قوله تعالى: {فآخَران يَقومانِ مَقامَهُما مِنَ الذين اسْتَحقَّ عَليهمُ الأوْلَيانِ} سورة المائدة 107.

إنَّ {الأوليان} صفة لـ" آخران " لوصفه بـ" يقومان ".

ولك أن تقدِّرها حالا من المعرفة، وهو الضمير في {مبارك}) انتهى كلامه – رحمه الله -.

فبيَّن – بارك الله في علمه – أنَّ في جملة " أنزلناه " وجهين:

أنها صفة للنكرة " ذِكْرٌ "

أنها حال من النكرة " ذِكْرٌ "، لأنها قد تخصصت بالوصف، وذلك يقربها من المعرفة.

ثم قال: (ولك أن تقدِّرها حالا من المعرفة، وهو الضمير في {مباركٌ})

وهذا ما أشرتُ إليه في مثال سيبويه، والحمد لله أولاً وآخرا.

أرأيتَ – يا أغر – مَن الذي يجب أن يَحزِم أمره؟

وهل علمتَ، كيف أنك لا تفهم كلام سيبويه؟

وقول " الأغرّ ":

(وكذلك الصلة، لا يجوز لحال واقع في جملة الصلة أن يكون حالا للاسم الموصول، فمثلا لو قلنا: جاء الذي يبذل المال سخيا، لا يجوز أن يكون " سخيا " حالا من "الذي" وإنما هو حال من الضمير المستتر في " يبذل ")

قلتُ: لا معنى للاستشهاد بهذا المثال، فهو خارج عن موضوعنا.

أخيرًا، أرَى أنَّ في ما أوردته كفاية.

ولا أرَى أني بحاجة إلى تفنيد باقي اعتراضاته، لأنها تدور حول معنى واحد.

ختامًا، أقول: يا أغرّ

لا تحزنَ يا صديقي، فوالله سوف تستكمل رزقك قبل انتهاء أجلك.

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[09 - 05 - 2005, 05:08 م]ـ

كنت عزمت أن أواصل المسير لأضع أخطاء حازم نصب عينيه ظانا أنه قد يرعوي، وأن البغضاء لم تأت بعد على كل بصره وبصيرته، ولكن ردّه الأخير ذكّرني بالمثل القائل: اتسع الخرق على الراقع، لذلك أنسحب من هذا الحوار متمثلا بقول زهير:

وهل يُنْبِتُ الخَطيَّ إلا وَشِيجُهُ ****** وتُغْرَسُ إلا في منابتها النّخْلُ

مع التحية والتقدير لكل منصف واع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير