حيث افتتح افتتح مشاركة جديدة، لينقل لنا شاهدًا من " الكتاب "، ليكون مرجعًا لـ" دامية "، وكعادته، ينقل الشواهد دون أن يدرك الفرق بينها، ولا عاملها ولا معناها.
كما أحْمَدُ الله – سبحانه وتعالى – أنَّ كتاب سيبويه، قد خلا من كلمتي " الرايات والحواشي "، ولو ذَكرهما سيبويه في " كتابه " لوجدنا على صفحات " الفصيح " العجب العُجاب، الذي يذهب بصواب الألباب، من إجراء غريب القياس، والطِّباق والمقابلة والجِناس.
ولطال بي الزمن في تفصيل الأقوال، وبيان ما يَقبله العقل السليم من المحال، وتوضيح الفرق بين الأخبار والأحوال، والحمد لله علَى كلِّ حال.
قال الأغر - وهو يزعم أنه " الأغرويه "، الذي انفرد في هذا الزمان، بفَهم كتاب سيبويه-، بعد أن اهتدى إلى باب " ينتصب فيه الخبرُ بعد الحرف الخمسة، انتصابَه إذا صار ما قبله مبنيًّا على الابتداء "، وهو من أبواب " الكتاب "، وظنَّ أنه قد وجد ضالَّته، لإجابة الفتَى اللامع " نبراس "، عن وجه النصب على القطع.
قال: (أعود إلى مسألة تقدير فعل قبل " دامية الحواشي "، فأقول: إما أن يكون هذا التقدير لقطع الصفة عن الموصوف لأجل المدح أو التعظيم، وهذا لا يصح، لأن " دامية الحواشي " نكرة، و" الرايات " معرفة، فهي ليست صفة في الأصل حتى تقطع)
أقول: إنَّ ما قاله، لا يدلُّ على أنَّ لديه اطَّلاعًا على أقوال العلماء، ولو سكتَ لكان خيرًا له.
وممَّا يدلُّ على عمق جهله بالمسألة، قوله: (لأن " دامية الحواشي " نكرة، و" الرايات " معرفة)
قال ابن السراج، في " أصول النحو ":
(ومعنى القطع: أن يكون أراد النعت، فلما كان ما قبله معرفة وهو نكرة، انقطع منه وخالفه) انتهى
وذكر القرطبي في " تفسيره "، عند قَوله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ والْمَلائِكةُ وأُولُوا الْعِلْمِ قائِمًا بِالْقِسْطِ} سورة آل عمران 18
(و {قائِمًا} نصب على الحال المؤكّدة من اسمه تعالى، في قوله {شَهِدَ اللَّهُ}، أو من قوله {إلاَّ هُوَ}.
وقال الفرّاء: هو نصب على القطع، كان أصله " القائم "، فلما قطعت الألف واللام نُصب كقوله: {ولَهُ الدِّينُ واصِبًا}) انتهى
وجاء في تفسير البغوي، المسمى " معالم التنزيل " عند قوله تعالى: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا}
({حَنِيفًا}: نصب على الحال عند نحاة البصرة.
وعند نحاة الكوفة نصب على القطع، أراد به ملَّة إبراهيم الحنيف، فلما أسقطت الألف واللام، لم تتبع النكرة المعرفة فانقطع منه، فَنُصِبَ) انتهى
وذكر الرازيُّ، في تفسيره " مفاتيح الغيب ":
(في نصب {حنيفًا} قولان:
أحدهما: قول الزجَّاج، أنه نصب على الحال من {إبراهيمَ}، كقولك: " رأيتُ وَجهَ هندٍ قائمةً ".
الثاني: أنه نصب على القطع، أراد: بل ملَّة إبراهيم الحنيف، فلما سقطت الألف واللام، لم تتبع النكرة المعرفة، فانقطع منه فانتصب، قاله نحاة الكوفة) انتهى
وعند أبي حيَّان، في " بحره ":
({حَنِيفًا}: ذكروا أنه منصوب على الحال من {إبراهيمَ}، أي في حال حنيفيته، قاله المهدوي وابن عطية والزمخشري وغيرهم.
قال الزمخشري: كقولك " رأيتُ وجهَ هندٍ قائمةً ".
وأنه منصوب بإضمار فعل، حكاه ابن عطية. وقال: لأنَّ الحال تعلق من المضاف إليه. انتهى.
وتقدير الفعل نتبع حنيفًا.
وأنه منصوب على القطع، حكاه السجاوندي، وهو تخريج كوفي، لأن النصب على القطع، إنما هو مذهب الكوفيين) انتهى
وعند أبي حفص، ابن عادل الدمشقي، في كتابه " اللباب في علوم الكتاب ":
(قوله: {حَنيفًا}، في نصبه أربعة أقوال:
ثم قال:
الثالث: أنه منصوب على القطع، وهو رأي الكوفيين، وكان الأصل عندهم: " إبراهيم الحنيف "، فلمَّا نكره، لم يكن إتباعه) انتهى
وقال القرطبي في " تفسيره ":
(قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيةً بِما ظَلَمُوا}.
قراءة العامة بالنصب على الحال، عند الفرّاء والنحاس، أي خالية عن أهلها خرابًا ليس بها ساكن.
وقال الكسائي وأبو عبيدة: {خاوِيةً} نصب على القطع، مجازه: فتلك بيوتهم الخاوية، فلما قطع منها الألف واللام نصب على الحال؛ كقوله: {ولَهُ الدِّينُ واصِبًا}) انتهى
وقال أبو بكر، أحمد البغدادي، في كتابه " المحلَّى ": في باب " النصب على القطع ":
(وكذلك {ولَهُ الدِّينُ واصِبًا}
¥