تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد ذكرت لك ما رجحته في إعراب (حقا) لكن نقلت لك ما ذكره النحويون من أنه ظرف زمان لا مكان، والسبب الذي جعلهم يرجحون الظرفية الزمانية على المكانية هو أن ظروف الزمان خاص بالمعاني فلا تقع أخبارا عن الجثث، فلا يقال: زيد صباحا أو مساء، وإنما يستخدم لذلك ظرف المكان فيقال: زيد خلف الدار مثلا، ويستعمل ظرف الزمان للإخبار عن المعاني، فيقال: القتال يوم الجمعة، ولما كانت كلمة (حقا) أو (أقي الحق) يخبر بها عن المعاني وهي المصادر المؤولة، مثل: أحقا أنك ذاهب، جعلت ظرف زمان، لأنه أنسب وألصق بالمعاني من ظرف المكان، من حيث إن ظرف المكان يخبر به عن الجثث والمعاني، وظرف الزمان لا يخبر به إلا عن المعاني.

فلو جعلت (حقا) ظرف مكان لكنت أخبرت عن المعنى باسم مكان، ففي قولنا: أحقا أنك ذاهب، يكون تقدير ظرف المكان: أفي مكان حق ذهابك؟ أما تقدير ظرف الزمان فهو: أفي وقت حق ذهابك؟ وازن بين التقديرين واحكم بنفسك.

ويوجد أمر آخر يرجح الظرفية الزمانية وهو أن (حقا) يأتي مصدرا، وقد استعملت المصادر أسماء للزمان فقيل: أتيتك خفوق النجم، وقدوم الحاجّ، فخفوق مصدر وقع ظرفا، وهو في الأصل مصدر أضيف إليه ظرف الزمان ثم حذف الظرف فناب المصدر عنه، لأن الأصل: أتيتك وقت خفوق النجم، حذف الوقت فناب المصدر خفوق مكانه، وصار ظرفا للزمان، ولم يستعمل المصدر ظرف مكان.

ومن قرب المصدر للزمان أنه تآلف معه في الفعل، فالفعل كما تعلم يدل على الحدث الذي هو المصدر مقترنا بزمن معين، وليس للمكان مكان في دلالة الفعل، فقولنا: ذهب زيد، يدل على ذهاب زيد في الماضي، ولكن لا دلالة فيه على مكان الذهاب مطلقا.

ولا يعني: (أفي وقت حق) تقييد الحق بزمن، لأن المعنى: أفي وقت صحة، أي: أصحيح هذا الأمر؟ فالحق هنا ليس الحق المطلق، ولا هو اسم الله عز وجل ولا هو الحق الذي يقابل الباطل.

مع شكري وتقديري للجهد الذي بذلته بارك الله فيك.

مع التحية الطيبة.

ـ[أبومصعب]ــــــــ[15 - 05 - 2005, 04:24 م]ـ

أستاذي العلم الأغر، المعنى الذي تبادر إلى ذهني – ولعله يكون غير صواب - هو تساؤل الشاعر هل هجاء الأخطل له في الحق أم في الباطل

والهجاء يكون في الحق كما يكون في الباطل قال الله تعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)

قال حسان بن تابث رضي الله عنه

هَجَوتَ مُحَمَّداً فَأَجَبتُ عَنهُ ... وَعِندَ اللَهِ في ذاكَ الجَزاءُ

وقال:

فَنُحكِمُ بِالقَوافي مَن هَجانا ... وَنَضرِبُ حينَ تَختَلِطُ الدِماءُ

وهذا هجاء في الحق

ولو قدرنا المعنى أصحيح أن أخطلكم هجاني لألغينا الظرفية فلا يصح أن نقول (أفي صحيح أن أخطلكم هجاني)

قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) والحديث (متفق عليه)

فذكر الرسول صلى الله عليه وسلم منفقا آتاه الله مالا فأهلكه في الحق أي في الطاعات والقربات إلى الله

قال الشاعر:

أَفي حَقِّ مواساتي أَخاكم ... بِمالي ثم يَظلِمني السريس

ولا يستقيم معنى البيت بتقدير أصحيح مواساتي أخاكم ... بمالي ثم يظلمني السريس

وقال آخر:

أَبلِغ أَميرَ المُؤمِنينَ رِسالَةً ... فَلَستُ عَلى رَأي قَبيحٍ أُوارِبُه

أَفي الحَقِّ أَن أُجفى وَيجعَلَ مُصعَبٌ ... وَزيرَيهِ مَن قَد كُنتُ فيهِ أُحارِبُه

فَكَيفَ وَقَد أَبلَغتُكُم حَقَّ بَيعَتي ... وَحَقِّيَ يُلوى عِندَكُم وَأُطالِبُه

والشاعر هنا يشكو مظلمته إلى أمير المؤمنين، فكان الأنسب أن يخبره بالظلم الحاصل له

وقال آخر

أَفي الحَقِّ أَن يَجتاحَ مالِيَ كُلَّهُ ... وَتَأَمنَ عِندي ضَيعَةُ ابنِ سَعيدِ

وغالب أقوال من يحتج بكلامهم يستعملون هذا الأسلوب للتعبير عن ظلمهم

سأنتظر تصويبكم

ـ[أبومصعب]ــــــــ[16 - 05 - 2005, 12:39 ص]ـ

أَلا أَبلِغ بَني خَلَفٍ رَسُولاً ... أحَقّاً أَنَّ أَخطَلَكُم هَجاني

وما موضع الشاهد فيه؟

قال سيبويه رحمه الله:

[هذا باب من أبواب (إن) تكون (أن) فيه مبنية على ماقبلها

وذلك قولك: (أحقاً أنك ذاهب؟) و (آلحق أنك ذاهب)، وكذلك: إن أخبرتَ فقلت (حقا أنك ذاهب)، و (الحقَّ أنَّك ذاهب). وكذلك (أأكبر ظنك أنك ذاهبٌ)، و (أجَهْدَ رأيك أنك ذاهب). وكذلك هما في الخبر.

وسألت الخليل فقلتُ: ما مَنَعَهم أن يقولوا: (أحقاً إنك ذاهب؟) على القلب، كأنك قلت: (إنك ذاهب حقاً؟) و (إنك ذاهب الحقَّ؟)، و (أإنك منطلقٌ حقا؟)

فقال: ليس هذا من مواضع (إن) لأن إن لا يُبتدأ في كل موضع، ولو جاز هذا، لجاز (يومَ الجمعة إنَّك ذاهبٌ)، تريد (إنك ذاهب يوم الجمعة). ولقلت أيضاً: (لا محالة إنك ذاهب)، تريد: (إنك لا محالةَ ذاهبٌ)، فلما لم يجز ذلك حملوه على (أفي حق أنك ذاهب؟)، وعلى (أفي أكبر ظنك أنك ذاهب؟)، وصارت (أن) مبنية عليه، كما يٌبنى الرحيل على (غدٍ) إذا قلت: (غداً الرحيل). والدليل على ذلك إنشاد العرب كما أخبرتك.

زعم يونس أنه سمع العرب يقولون في بيت الأسود بن يعفر:

أحقاً بني أبناء سلمى بن جندل ... تهددكم إياي وسط المجالس

فزعم الخليل أن (التهدد) ها هنا بمنزلة الرحيل بعد غدٍ، وأن (أن) بمنزلته، وموضعه كموضعه.

ونظير (أحقاً أنك ذاهب) في أشعار العرب قول العبدي:

أحقاً أن جيرتنا استقلوا ... فنيتنا ونيتهم فريق

وقال عمر بن أبي ربيعة:

أألحقَّ أن دارُ الرباب تباعدت ... أو انبتَّ حبلٌ أن قلبكَ طائر

وقال النابغة الجعدي:

ألا أبلغ بني خلف رسولاً ... أحقاً أن أخطلكم هجاني

فكل هذه البيوت سمعناها من أهل الثقة هكذا.

والرفع في جميع هذا جيد قوي. وذلك أنك إن شئت قلت: (أحق أنك ذاهب)، و (أأكبر ظنك أنك منطلق)، تجعل الآخر هو الأول.] انتهى كلامه ج 3/ 156، 157، 158، 159

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير