تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[16 - 05 - 2005, 11:02 ص]ـ

الأخ الكريم معمر حفظه الله

جزيت خيرا بإيرادك نص سيبويه، فقد سهّلت علي أمر الموازنة بين شواهده والشواهد التي أوردتَها في تعليقك السابق.

اعلم أخي الكريم أن الأمثلة التي ذكرها سيبويه والشواهد التي أوردها كلها يصح أن يكون الاستفهام فيها على حقيقته، فالمتكلم يستفهم ليعلم أن ما سمعه حدث أم لم يحدث ولنأخذ الشاهد الأول:

أحقاً بني أبناء سلمى بن جندل ... تهددكم إياي وسط المجالس

فالشاعر يريد أن يقول لهم: هل وقع تهددكم إياي؟ أي: هل الأمر صدق أو صحيح مطابق للواقع؟

وفي الشاهد الثاني:

أحقاً أن جيرتنا استقلوا ... فنيتنا ونيتهم فريق

يريد الشاعر أن يعرف على وجه الحقيقة: هل استقل جيراننا؟

وفي الشاهد الثالث:

أألحقَّ أن دارُ الرباب تباعدت ... أو انبتَّ حبلٌ أن قلبكَ طائر

يريد الشاعر أن يتأكد من وقوع البين الذي لا يكاد يصدقه فيقول: هل فعلا تباعدت دار الرباب؟

في الشاهد الرابع:

ألا أبلغ بني خلف رسولاً ... أحقاً أن أخطلكم هجاني

يريد الشاعر أن يقول لهم: هل هذا الخبر صدق وصحيح لا كذب وهو أن أخطلكم هجاني؟

وهذا المعنى هو الذي ذكره تلميذ أبي علي الفارسي له وأقره عليه، وكنت أظنه ابن جني ولكني رجعت إلى الخزانة فذكر ان الخبر ورد في التذكرة القصرية، والتذكرة هذه كتاب ضم أسئلة أبي الطيب محمد بن طوسي المعروف بالقصري، فالإشارة إلى ابن جني في تعليق لي سابق كانت خطأ، جاء في الخزانة:

وفي التذكرة القصرية: قلت لأبي علي: قوله: (أحقا أن أخطلكم هجاني) يدل على أن (حقا) بمعنى (أفي حق)، لأنه ليس يريد: أتحقون حقا أن أخطلكم هجاني، وإنما يريد: أفي الحق، أي: هل هجاني أخطلكم، وليس يريد: أتحقون هذا الخبر؟ فلم ينكر أبو عليّ هذا وصححه وصوّبه.

إذاً ليس المعنى المراد هو الاستفهام عن هجائه أهو هجاء في الحق أم لا، وإنما هو استفهام عن وقوعه، هل وقع أو لم يقع.

أما الشواهد التي ذكرتها أخي العزيز في تعليقك السابق فتتفق من حيث الصناعة النحوية مع شواهد سيبويه، أي: بعد الاستفهام كلمة الحق التي تضمنت معنى الظرف وبعدها فاعل الظرف وهو مصدر صريح أو مؤول، وتختلف من حيث المعنى لذلك يختلف المراد بكلمة الحق في هذه الشواهد عن المراد بها في شواهد سيبويه.

بيان ذلك أن المتكلم في شواهد سيبويه يسأل المخاطب الذي يسمع شعره عن أمر خارج عن فعل المتكلم وإرادته، فهو لا يعلم إن كان هذا الأمر قد حدث أم لم يحدث، أما الشواهد التي ذكرتَها في تعليقك فالمتكلم يستفهم عن شيء حصل له أو قام به، فلا يصح أن يكون الاستفهام على حقيقته، وإنما هو نفي أواستنكار، فلا يجوز أن تسأل مخاطبك على الحقيقة فتقول: هل حقا سافرتُ؟ لأنك أدرى بأمر نفسك منه، لذلك لا يمكن تفسير الحق في هذه الشواهد بمعنى صدق وقوع الأمر وصحته ومطابقته للواقع، وإنما يفسر الحق فيها بالعدل، فقوله:

أَفي حَقِّ مواساتي أَخاكم ... بِمالي ثم يَظلِمني السريس

يعني: هل من العدل أن أواسي أخاكم وأُظلَم؟ أو أفي العدل .... ؟

وكذلك قول الآخر:

أَفي الحَقِّ أَن أُجفى وَيجعَلَ مُصعَبٌ ... وَزيرَيهِ مَن قَد كُنتُ فيهِ أُحارِبُ

يريد: أفي العدل أن أقصى ويُدنى غيري؟

ففي مثل هذه الشواهد لا يمكن حمل الاستفهام على الحقيقة ألبتة، ومن ثم لا يمكن أن نفسر الحق كتفسيرنا في شواهد سيبويه، والسبب ما ذكرته لك من أن الأمر المستفهم عنه في شواهد سيبويه والداخلة في الحق أمر غير صادر عن المتكلم، وهو غير عالم بوقوعها على وجه الحق الذي يعني مطابقة الواقع، أما الشواهد الأخرى فالاستفهام الحقيقي لا يمكن أن يكون مرادا حتى يمكن أن نفسر الحق بالشيء الذي يطابق الواقع، لأن المتكلم يعرف الشيء المطابق للواقع أكثر من غيره لأنه قام به أو عانى منه مباشرة، لذلك لا يمكن تفسير الحق بالصدق أو الشيء المطابق للواقع وإنما يفسر بالعدل، والمراد بالاستفهام في هذه الشواهد النفي والاستنكار أي: ليس من العدل هذا الأمر، فيجب أن يغير.

وفي كلا التفسيرين (أعني تفسير الحق بمعنى الصحة أو الصدق أو مطابقة الواقع في شواهد سيبويه، وتفسيره بالعدل في الشواهد التي ذكرتَها في تعليقك) لاتخلو كلمة (الحق) من معنى الظرف من حيث شموله لفاعله الذي هو مصدر صريح أو مؤول.

أرجو أن أكون وفقت في تقريب القصد وتسهيل المراد، والله الموفق وهو خير هاد.

مع التحية الطيبة.

ـ[أبومصعب]ــــــــ[18 - 05 - 2005, 12:38 ص]ـ

بارك الله فيك أستاذي الأغر،

عودة إلى موضع الشاهد،

من خلال كلام سيبويه يتبين أن محل الاستشهاد بالبيت في فتح همزة (إن) إذا كانت مبنية على ماقبلها، وفيه قال ابن مالك رحمه الله تعالى:

وهَمزَ إنَّ افتَح لِسَدِّ مَصدَرِ ... مَسَدَّهَا وَفِى سِوَى ذَاكَ اكسِرِ

ما رأيكم؟

ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[20 - 05 - 2005, 04:35 م]ـ

أخي الكريم معمر حفظه الله

هو كما ذكرت فالبيت شاهد على وجوب فتح همزة (إن) بعد (أحقا) أو (أفي حق) أو (حقا) بدون استفهام، أو (حقٌّ) بالرفع.

وبيت ابن مالك يلخص القاعدة في فتح همزة (إن) وكسرها، فحيث صح أن تؤول مع معموليها بمصدر فتحت همزتها، وإلا كانت مكسورة الهمزة.

وبعضهم يعبر عن ذلك المفهوم بعبارة أخرى فيقول: تكسر همزة (إن) في المواقع الخاصة بالجملة، وتفتح في المواقع الخاصة بالمفرد.

مع التحية الطيبة والتقدير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير