أما وقد اتفقنا على المراد من كلام سيبويه فلنناقش أمر التقدير في العبارة التي وردت عن العرب، وهي: لحقّ أنك ذاهب.
تقدير سيبويه: لحقُّ ذهابك أمرك. على حذف الخبر.
وتقديرك: لحق أمرك ذهابك، على حذف المضاف إليه.
الفرق من حيث المعنى أن تقدير سيبويه يجعل حق الذهاب هو الشأن والأمر، وتقديرك يجعل حق الشأن والأمر هو الذهاب.
ومعلوم أن الأمر عام والذهاب جزء من هذا الأمر العام، وتقدير سيبويه كأنه جعل يقين الذهاب هو الأمر العام.
وتقديرك يجعل يقين الأمر العام هو الذهاب، وليس هذا هو المقصود، وإتما المقصود أن يقين الذهاب هو الأمر.
هذا من حيث المعنى أما من حيث الصناعة فحذف الخبر أهون من حذف المضاف إليه وأكثر ذيوعا، لأن المضاف إليه كجزء من المضاف، فهما بمثابة كلمة واحدة، وليس كذلك المبتدأ والخبر، فهما كلمتان منفصلتان أسندت إحداهما إلى الأخرى، فحذف إحدى الكلمتين أهون من حذف جزء من كلمة واحدة، هذا من حيث القياس أما السماع فقد جاء فيه الخبر محذوفا كثيرا فقد جاء في القرآن الكريم، كقوله تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون، وقوله تعالى: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم، وقوله تعالى: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله، وغير ذلك كثير في النظم والنثر. بل جاء في الكلام وجوب حذف الخبر بعد لولا الامتناعية، ويؤنس بسهولة أمر حذف الخبر حذف جواب الشرط فهو أيضا كثير، وهو يقابل الخبر، والشرط والأداة يقابلان المبتدأ والابتداء.
أما حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف على حاله قبل حذف المضاف إليه فشواهده تحتمل تخريجات أخرى لا يبقى فيها وجه للاستشهاد، فقول الشاعر:
ومن قبلِ نادى كل مولى قرابة ...
وقولهم سلامُ عليكم، وقراءة فلا خوفُ عليهم كل ذلك يمكن أن يحمل على أن التنوين حذف للتخفيف وليس للإضافة، وورود حذف التنوين للتخفيف وارد معروف، وأما (سبحان من علقمة) فليس بالضرورة أن يكون التقدير: سبحان الله، وقد فسرها سيبويه بمعنى: براءة من علقمة، لكل هذا قدر سيبويه الخبر محذوفا ولم يقدر المضاف إليه محذوفا. والله أعلم.
مع التحية الطيبة والتقدير.
ـ[أبومصعب]ــــــــ[01 - 06 - 2005, 11:28 ص]ـ
أستاذي الكريم الأغر:
قلتم: (تقدير سيبويه: لحقُّ ذهابك أمرك. على حذف الخبر)
هذا التقدير فيه إضافة الشيء إلى عينه وهو ممتنع إلا بتأويل، ولا تأويل يخرج من هذه الإضافة وليس له نظير في كلام من يحتج بكلامهم ولا في كلام غيرهم
وقلتم: (وتقديرك: لحق أمرك ذهابك، على حذف المضاف إليه)
أما هذا التقدير فله ما يشده عضده، فنحن نكثر من قول (في حقيقة الأمر كذا)
فنضيف الحقيقة إلى الأمر،
قال المعري
وَالنَفسُ شَكَّت في يَقينِ الأَمرِ وَال ... كَفّانِ أَن رَمتا قَنيصاً شَكَّتا
وقال الشاعر
لا تُخدَعَنَّ فَما حَقيقَةُ أَمرِهِ ... عِندَ النُّهى إِلّا كَمِثلِ مَجازِهِ
ولست أرتضي هذا التقدير إذ لا دليل عليه
وقلتم (هذا من حيث المعنى أما من حيث الصناعة فحذف الخبر أهون من حذف المضاف إليه وأكثر ذيوعا)
حذف الخبر هين إذا دل الدليل عليه، لكن من الممتنع إضافة المبتدأ إلى الخبر
وقلتم (فحذف إحدى الكلمتين أهون من حذف جزء من كلمة واحدة، هذا من حيث القياس)
أستاذي الكريم، الحذف في الكلمات عند العرب كثير، والترخيم والنحت من شواهد ذلك وهم حذفوا من الكلمة حتى لم يبقوا منها إلا حرفا أو حرفين وشواهد ذلك معلومة، هذا في الحذف من الكلمة عموما
أما المضاف إليه فقد حذفوه في (قبل) و (بعد) و (أي) و (كل) و (بعض) و (غير) وغير ذلك - وهو كاف للقياس عليه إن شاء الله - وحذفوا ياء المتكلم أكثر ما حذفوها في النداء، كما حذفوا المضاف إليه وأقاموا ما بعده محله،
فمن الغرابة إنكار الحذف في الكلمة بله المضاف إليه وأغرب منه قولكم أستاذي (وقولهم سلامُ عليكم، وقراءة فلا خوفُ عليهم كل ذلك يمكن أن يحمل على أن التنوين حذف للتخفيف وليس للإضافة)
ألا ترون أن حذف التنوين ووصل الكلام أشد ثقلا من إثبات التنوين وصلا وفيه إمكانية نقل الحركة والإدغام و الإخفاء و ... ،
وإذا كانت هذه الشواهد تخرَّج على حذف التنوين فلماذا لا يخرج (لحق أنه ذاهب) على حذف التنوين للتخفيف أم أن الإضافة في هذا أخف من بقاء التنوين، واجبة وجوب الأخذ بقول سيبويه رحمه الله ولو خالف الدليلَ قولُه؟
وقلتم (وأما (سبحان من علقمة) فليس بالضرورة أن يكون التقدير: سبحان الله، وقد فسرها سيبويه بمعنى: براءة من علقمة)،
قال الشاعر:
سُبحانَهُ ثُمَ سُبحاناً يَعودُ لَهُ ... وَقَبلَنا سَبَّحَ الجودِيُّ وَالجُمُدُ
فأضاف ونون
وقال آخر:
إِنّي دَعاني الحينُ فَاِقتادَني ... حَتّى رَأَيتُ الظَبيَ بِالبابِ
يا حُسنَهُ إِذ سَبَّني مُدبِراً ... مُستَتِراً عَنّي بِالجِلبابِ
سُبحانَ مِن وُقوفِها حَسرَةً ... صَبَّت عَلى القَلبِ بِأَوصابِ
فدل ذلك على حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف إليه على ما كان عليه
قال لبيد:
وَفِتيانٍ يَرَونَ المَجدَ غُنماً ... صَبَرتَ لِحَقِّهِم لَيلَ التَمامِ
قال الشاعر:
إِنَّ اِمرَأً كَبَتَ العَدُوَّ وَيَبتَني ... فينا المَحامِدَ حَقُّهُ أَن يُحمَدا
ومثله قول القائل:
فَتَبَسَّمَت عَجَباً وَقالَت حَقُّهُ ... أَن لا يُعَلِّمُنا بِما لَم نَعلَمِ
وقال عنترة:
فَلَم يَكُ حَقُّكُم أَن تَشتُمونا ... بَني العُشَراءِ إِذ جَدَّ الفَخارُ
قال الشاعر:
لَحَقُّ بَني شُغارَةَ أَن يَقولوا ... لِصَخرِ الغَيِّ ماذا تَستَبيثُ
فكان التقدير الصحيح ل (لحق أنه ذاهب) هو (لحقه أنه ذاهب) وساغ حذف الضمير لوجود الضمير البارز في (أنه) فكان الاستغناء عنه جائزا لوجود ما يفسره، وإبقاء الكلمة بلا تنوين دالا على وجوده في التقدير كما دل على بقاء المضاف إليه المحذوف في (قبل وبعد)
والله أعلم
فإن أصبت فبتوفيق من الله، فالفضل له ثم لكم في توجيهي إلى البحث والتنقيب وإعمال الفكر، و جزى الله عني خيرا أساتذتي ومعلمي حازم والحجة والقاسم وغيرهم كثير ممن لم يبخلوا علي بعلمهم ونصحهم
وتقبلوا أستاذي الكريم وافر الشكر وأسمى التقدير
¥