ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[01 - 06 - 2005, 09:31 م]ـ
أخي الكريم الأستاذ معمر
أشجعك على الاجتهاد ولكن أوصيك مع الاجتهاد أن ترجع إلى كتب هذه الصناعة نفسها فتأتي بشواهدك من كتب النحو التي بحثت في الموضوع نفسه، ومن كتب الأدب التي روت كلام الفصحاء الذين يستشهد بكلامهم، وأن تستحضر الأصول العامة التي توصل إليها النحويين.
سأبدأ معك النقاش فقرة فقرة، وعلى الله التوكل:
قولك:
(قلتم: (تقدير سيبويه: لحقُّ ذهابك أمرك. على حذف الخبر)
هذا التقدير فيه إضافة الشيء إلى عينه وهو ممتنع إلا بتأويل، ولا تأويل يخرج من هذه الإضافة وليس له نظير في كلام من يحتج بكلامهم ولا في كلام غيرهم)
هذا القول فيه حكم تعميمي لا ينبغي لنا طلاب العلم أن نذهب إليه، فأنت نفيت أن يكون لتقدير سيبويه جنس من التأويل وحكمت أنه ليس له نظير في كلام من يحتج بكلامهم ولا في كلام غيرهم، هلا قلت أخي الكريم: لا أعلم له نظيرا، أو لا أجد له تأويلا. ألا توافقني على هذا المبدأ؟
ثم إن تقدير سيبويه لا يختلف عن تقديرك من هذا الجانب فكلاهما من إضافة الصفة إلى الموصوف، وهذا جائز عند الكوفيين ومؤول عند البصريين على أن الإضافة بمعنى (من) أي جُعلت الصفة نوعا مضافا للجنس وهو الموصوف، كقوله: وإن سقيت كرام الناس فاسقينا، فكرام الناس من إضافة الصفة للموصوف، والأصل: الناس الكرام، ومنه: قوله تعالى: وإنه لحقُ اليقين، أي اليقين الحق. ومنه قولهم: جرد قطيفة، وسحق عمامة، فالإضافة هنا مؤولة بأن المضاف إليه وهو الموصوف صار جنسا للمضاف وهو الصفة أي: جرد من قطيفة، وسحق من عمامة، وكرام من الناس.
وكذلك تقدير سيبويه وتقديرك كلاهما من هذا الباب: فتقدير سيبويه: لحق ذهابك، الأصل ذهابك الحق، وأنت تقديرك: لحق أمرك، الأصل: أمرك الحق، ثم جعل الذهاب جنسا للحق، فقيل: حق الذهاب، وعلى تقديرك، حق الأمر، ففي هذا الجانب لا فرق بين التقديرين أليس كذلك؟
أما استدلالك بإضافة الحقيقة للأمر، فيختلف عما نحن بصدده، لأن لكل أمر حقيقة ومجاز، فحقيقة الأمر تقابل مجاز الأمر، وعندما تقول: في حقيقة الأمر تؤكد أنه لا مجاز في دعواك وأن كل ما ستأتي به محمول على الحقيقة ولا مجال للمجاز فيه؟
هل اتفقنا على هذا؟ أرجو أن أعرف رأيك قبل الانتقال إلى الفقرة التي بعدها لئلا تتشتت المناقشة.
مع التحية الطيبة والتقدير.
-
ـ[أبومصعب]ــــــــ[03 - 06 - 2005, 12:30 م]ـ
أستاذي الأغر يبدو أن الحوار سيطول، وإذا طال فلا بد أن ينكشف جهلي وتظهر أخطائي واضحة للعيان، ولا أبالي بذلك فما زلت في طور التعلم وأنا مع أستاذ متمرس في النحو يصلح الخطأ ويصوب الاعوجاج ويحيط بجوانب الموضوع،
نعم أستاذي الكريم لابد من الرجوع إلى أمهات أوصول النحو وإلى كبار منظريه وأقوالهم في المسألة، وليس بين يدي إلا القليل منها، ولم أجد بين ثنايا هذا القليل من فصل في ذلك ولو أحلتني لأحلت!
وتفصيل الموضوع فقرة فقرة كفيل بإظهار ما انطوت عليه كل فقرة من أخطاء وانحرافات عن الجادة، سأكون مواظبا مثابرا وفي بعض الأحيان مشاغبا مشاكسا إلى أن يتبين الحق واضحا جليا
قلتم (هذا القول فيه حكم تعميمي لا ينبغي لنا طلاب العلم أن نذهب إليه)
لله درك أيها الأستاذ المعلم والحق أن تقول (لا ينبغي لك كطالب علم مبتدئ أن تذهب إليه) و لكنه تواضعكم للمبتدئين أمثالي وتوجيهكم إياهم بأرفق العبارة وأحسن النصح
ثم أعتذر إليكم أستاذي الكريم الأغر في القول بأن هذه الأمثلة ليست في شيء مما نحن بصدده،
أما (كرام الناس) فأمره واضح، وإن كنتم تريدون أن المفهوم العام ل (كرام الناس) هو (الناس الكرام) فنعم، ومن حيث الخصوص فمعناهما مختلف
أما قول الله تعالى (لحق اليقين)
فقد قال الله تعالى: (ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) وقال: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ)
وقال: (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ)
قال القرطبي رحمه الله: (وإنه لحق اليقين ... وقال ابن عباس: إنما هو كقولك: لعين اليقين ومحض اليقين)
وكذلك ليس جرد قطيفة، وما أشبهه مما نحن فيه ...
(حق) من (لحق) مصدر و (الذهاب) من (ذهابك) مصدر أيضا، وقد أضيف المصدر إلى المصدر وخرج من بينهما الأمر!!!
فهل لهذا نظير في كلام العرب؟
و لنأخذ التقدير (لحق ذهابك) على الإضافة والإضافة بمعنى اللام أو في أو من
فأي التقديرات الصواب
(لحقٌ في ذهابك أمرك)
(لحق من ذهابك أمرك)
(لحق لذهابك أمرك)
كل التقديرات مستنكرة و لا نظير لها في كلام العرب (دعوى للتهويل إلى أن أجد الدليل!!! - ابتسامة -)
أما (لحق ذهابك) و (ذهابك الحق) فمختلفان
و لم أقدر (لحق أمرك) إنما أخذت ذلك من تقديركم وبينت أنه جائز وأنه بمعنى (حقيقة) الأمر، ولتكن الحقيقة من الحق نقيض الباطل أو ما قابل المجاز المهم أنهم أضافوا الحق إلى الأمر
قال الشاعر:
سَأَلتُكَ شَرِّفنِي بِسَمعِكَ مُقبِلاً * عَلَيَّ لَيَبدُو حَقُّ أَمرٍ وَباطِلُه
وقال آخر:
من اتخذ البرهانَ والفحص عُدَّةً * تبَيَّنَ ما حقُّ الأمور وزُورُها
جاء في العين:
والحقيقة: ما يصيرُ إليه حقُّ الأمر ووجوبه. وبلغْتُ حقيقةَ هذا: أي يقين شأنه.
يبدو أن الطريق طويل وزادي قليل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
¥