ومراده: إنْ ثَبتَ عدم الإشارة إليها على أنها مصدر، في تلك الكتب، فاجتهاد " أبي حيَّان " مردود عليه، لأن اللغة لا تثبت بالاجتهاد.
أقول: أسأل الله العليَّ القدير، أن يرزقني توقير العلماء، وأن يجعلني بِمعزلٍ عن الأغبياء، إنه قريبٌ سميع الدُّعاء.
وأقول: رحمك اللهُ يابنَ منظور، لم تكن تعلم، أنه سيأتي يَومٌ، يُبحث في مؤلفَّاتك عن كلمة " ضدّ ".
وأظنُّك لو علمتَ بذلك، لابتدأتَ تصنيفك ببيان معاني وتصريف كلمة " ضدّ "، ليسهل على مَن لا يحفظ إلاَّ الشكل، أن يعثر عليها، ولكن قدَّر اللهُ وما شاءَ فعل، وإليه يُرجَع الأمرُ كلُّه، أو: يَرجِع الأمرُ كلُّه.
احتوت صحيفة " ******" على مغالطتين.
المغالطة الأولى: قوله: (وإن كان نقلا من كتب اللغة قُبِل)
أقول:
وعلى ماذا اعتمدت كتب المعاجم؟
ألَمْ تَعتمد على أقوال علماء النحو؟ الذين كان لهم دور كبير في جمع اللغة؟
ألا تعلم أنَّ أبا حيَّان عالم في النحو واللغة؟
بل هو بحر في العلوم، وقد مَّن الله عليه، وشرَّفه بتفسير كتابه العزيز.
ألا يستطيع عقلك، أن يدرك أنَّ مَن قام بتفسير كتاب الله، وحفظ الله تفسيرَه، هو عالم في اللغة؟
ولذلك نجد أنَّ الزبيدي قد نقل أقوال أبي حيَّان، في " تاج العروس ".
ولو تقدَّم أبو حيَّان على عصر ابن منظور، لَما وسِع ابن منظور إلاَّ أن يستشهد بأقواله، والله أعلم.
وهذا من فضل الله على أبي حيَّان، رحمه الله رحمة واسعة.
المغالطة الثانية: قوله: (لأن اللغة لا تثبت بالاجتهاد)
أقول: هذه الجملة ليست على إطلاقها، بل تحتاج إلى تفصيل.
ما القياس التي لا تثبت اللغة به؟
هو نقل اسم المعنى إلى معنى آخر، لجامع بينهما.
وكذا أسماء الأعلام الجامدة، والألقاب المحضة، فلا يجري القياس فيها، لأنه لا يفيد وصفا للمسمى، وإنما وضعت لمجرد التعيين والتعريف.
ونحو ذلك.
ولا بدَّ أن يُعلَم أنَّ في المسألة خلافًا، فلم يُنقَل الإجماع على منع القياس.
أما نحو اعتبار الكلمة مصدرًا أو صفة مشبَّهة، فلا ترد عليه مسألة القياس.
وخلاف علماء التفسير شائع ذائع، حول كلمات عديدة، تمَّ الخلاف عليها.
ومعلوم، أنَّ بعض الكلمات تكون اسمًا، وتكون مصدرًا.
وقد نصَّ النحويون، على أنَّ المصدر والاسم المشتق يتقارضان.
ولا بدَّ أن يُعلَم أيضًا، أنَّ المصادر ليست كلها سماعية، بل القياس جارٍ فيها.
وكتب المعاجم، مليئة بمسائل القياس.
فهناك الحذف على القياس، وإبدال الهمزة قياسًا، وإجراء الجمع المكسَّر على القياس، وغير ذلك، ممَّا يصعب حصره.
قال الأَزهري: ولو قيل " ضَحَكًا " لكان قياسًا، لأَن مصدر فَعِلَ فَعَلٌ.
وقد جاءت أَحرف من المصادر على فَعِلٍ، منها ضَحِكَ ضَحِكًا.
وجاء في " اللسان ":
(فإِن أَبا علي قد حكى أَنَّ للشاعر أَن يأْتي لكلّ " فَعَلَ " بِفَعْلٍ "، وإِن لم يُسمع) انتهى
وقال ابن جني، في " خصائصه ":
(واعلم أنَّ من قوة القياس عندهم، اعتقاد النحويين: أنَّ ما قيس على كلام العرب، فهو عندهم من كلام العرب) انتهى
وقال السيوطي، في " المزهر "، عن المصدر الميمي:
(ولهذه الأفعال مصادر، دخلت الميم زائدة في أولها، تدرك بالقياس على ما أصلته فيه العلماء، ممَّا قالت العرب على أصله) انتهى
قلتُ: ولا يُتصوَّر عقلاً، أنه إذا سُئل أحدنا أن يُصغِّر اسمًا، ثمَّ صغَّره وفق قواعد النحويين، أن يقال له: هذا الاسم ليس مسموعًا عن العرب، واللغة لا تثبت بالقياس.
يُستخلَص ممَّا ذُكر، أنَّ ما قاله " *****" هو كلام مُوهم، يُراد منه إبطال رأي العالم الفذِّ " أبي حيَّان " – رحمه الله -.
ولكنَّ " أبا حيَّان " بحر.
والبحر – عند فقهائنا، رحمهم الله – هو باقٍ دائمًا على طهوريته.
وأخيرًا، أقول: إنَّ " أبا حيَّان " – رحمه الله تعالى – لم ينفرد بهذا الرأي، وإنما هو قول ابن عطية، في " المحرَّر الوجيز ".
ووافقهما السَّمين الحلبيُّ، في أحد قَوليه، في " الدرِّ المصون ".
وهو ما ذهب إليه ابن عادل الدمشقي، في أحد قَوليه، في " اللباب ".
وهو ما قرَّره القنوجي، في تفسيره " فتح البيان في مقاصد القرآن ".
ويمكن أن أقول: إن تمثيل الأخفش، في " معاني القرآن ":
أنَّ " الضدّ " مثل: " الرصد والأرصاد "، يُفهم من ظاهره أنَّ كلمة " ضد " يجوز أن تكون مصدرًا، مثل " الرصد ".
فـ" الرصد " مصدر الفعل: " رصد ".
والله أعلم.
وما توفيقي إلاَّ بالله.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[05 - 06 - 2005, 08:49 م]ـ
............
ـ[محمد الجهالين]ــــــــ[05 - 06 - 2005, 10:24 م]ـ
أنا البدويُّ المُرُّ عيبُ بداوتي
غِلابٌ، متى غالبتُ ما عابني الغُلْبُ
تُسربلني الأخطارُ لوثة حاقدٍ
فأنسلُّ من حقدي يسربلني التَّوْبُ
جميل غلابُكما، والأجمل جَنابُكما
يا حازمُ اشتدّ بنا قيظُ الكناية، ويا أغرُّ استبد بنا غيظ النكاية، فما الدمُ النحوي الذي بينكما؟
لتختلفا في بضاعتكما جلبا وسوما، فلا تنجرفا خدشا وكلما، انقُدا ما يقالُ لا من يقولُ، واقصدا أيكما العدلُ لا أيكما الفحلُ.
إن قدامى النحاة قد استكملوا النحو، ولم يتركوا لمن بعدهم إلا الرواية، فما بال الرواة يتوارثون جدل النحاة.
ولنكرمْ مشرفي هذا المنتدى، فالعين لا تعلو على الحاجب، والأغر ذو الواجب، فلنتوسمْ في أغر البلغاء براءة، وإن أغار جراءة، فيا حبذا غارة المعرفة.
قلتُ في مشاركة سابقة:
أمد المآقي فلا أرى غير التساقي لؤلؤا يساقط ندى حازميا، فيخضر المدى طائيا، خلتني سائلا عن الفوائد، فأغنتني روعة الفرائد، لتطرب أذن قلما استمعت إلى أجراس علياء اللغة، وتقر عين لا تحب حصباء الحوار.
¥