تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[حازم]ــــــــ[05 - 06 - 2005, 11:48 م]ـ

عَذابي مِنْ ثَناياكَ العِذابِ * فَهلْ شَفَعَ الرِّضَى عِندَ الرُّضابِ

تَكلُّفُ مَنْ تَكلَّفَ مِنكَ وُدًّا * طِلابٌ لِلشَّرابِ مِنَ السَّرابِ

ومَدْحي حاكِمًا في الجُودِ أنْهَى * وأدْنَى في السَّخاءِ مِنَ السَّحابِ

لأنتَ وإنْ هَجَرْتَ فَدَتْكَ رُوحِي * ألَذُّ إليَّ مِنْ صِلةِ الشَّبابِ

فَتًى فِيهِ المَعارِفُ والمَعالِي * جَمَعْنَ لَهُ العِرابِ إلى الغِرابِ

فَيُطْرِبُ حِينَ يَضْرِبُ في خُطُوبٍ * ويُعْرِبُ حِينَ يُغْرِبُ في خِطابِ

أمُوضِحَ ثَغْرِ غامِضِ كُلِّ عِلمٍ * إذا ما عَنهُ أُغْلِقَ كُلُّ بابِ

وكاشِفَ كُلِّ مُظلِمةٍ وظُلمٍ * بِآراءٍ خُلِقْنَ مِنَ الصَّوابِ

رَمَيتَ عِداكَ في حَربٍ بِبَرحٍ * بِأمْثالِ البِحارِ مِنَ الحِرابِ

فَطارَتْ أنْفُسٌ فَوقَ الثُّريَّا * وغارَتْ أنْفُسٌ تَحتَ التُّرابِ

وحَسْبي أنْ تَطَلَّبتُ المَعالي * بِأنَّ إلى مَحبَّتِكَ انْتِسابي

أستاذي الحبيب / " الطائي "

ما زلتُ في نعيمِ واحتِك الخضراء، يشدُّني ائتلاقُها، ويؤلمني فِراقُها.

وما زلتُ أسيرَ أنوار مفردات أدبك الباهرة، التي تُضيء مجالس العِلم بصورتيها الباطنة والظاهرة، تبارك مَن جعلَ الحروفَ طوع قريحتك، وجمالَ معانيها مِلْء تعريضتك.

أسأل الله – جلَّ وعَلا – أن يجعلَك مع الذين أنْعمَ عليهم.

ولْيَحفظِ اللهُ ذاقتَك، ويبارك لك فيها، ولْتذهب آرائي الهزيلة المتكلَّفة، وأقوالي المتعسِّفة.

وما زالت آراؤك لوضوح المعاني، هدًى ومنارا، وذائقتُك الصادقة للصَّواب دليلاً وقرارا.

قال الله تبارك وتعالى: {فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفةً مُوسَى} طه 67.

الفاء: عاطفة

أوجَسَ: فعل ماضٍ مبني على الفتح.

في نفسِهِ: جار ومجرور متعلق بـ" أوْجَسَ ".

والهاء: ضمير متَّصل مبني على الكسر، في محلِّ جرٍّ بالإضافة

خِيفةً: مفعول به منصوب بفتحة ظاهرة في آخره.

مُوسَى: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمَّة مقدَّرة على الألف للتعذُّر.

بقي النظر، في مسألة عَوْد الضمير إلى متأخِّر.

فقد عاد الضمير المتَّصل بـ" نفسِ " إلى متأخِّر، وهو " موسَى "

و" موسَى " هو الفاعل، فهو، وإن كان متأخِّرًا لفظًا، لكنَّه متقدِّم رتبة.

وهذا جائز في العربية.

قال ابنُ يعيش، في شرحه على " المفصَّل ":

(إنَّ تقديم المضمر على الظاهر، إنما يمتنع إذا تقدَّم لفظًا ومعنًى، نحو: " ضَربَ غُلامُهُ زيدًا ".

وأما إذا تقدَّم لفظًا، والنيَّة به التأخير، فلا بأس به، نحو: " ضَربَ غُلامَهُ زيدٌ ".

ألا ترَى أنَّ " الغلام " هاهنا مفعول، ومرتبة المفعول أن يكون بعد الفاعل، فهو، وإن تقدَّم لفظًا، فهو مؤخَّر تقديرًا وحكمًا.

ومنه قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفةً مُوسَى}.

الهاء في " نفسِهِ " عائدة إلى " موسَى "، وإن كان الظاهر متأخِّرًا، لأنه في حكم المقدَّم، من حيث كان فاعلاً.

ومثله، قولهم في المَثَل: " في أكفانِهِ لُفَّ الميِّتُ "، وقالوا: " في بَيتِهِ يُؤتَى الحكمُ ".

فقد تقدَّم المضمَر على الظاهر فيهما لفظًا، لأنَّ النيَّة بهما التأخير.

والتقدير: " لُفَّ الميِّتُ في أكفانِهِ "، " ويُؤتَى الحكمُ في بَيتِهِ ".

وإذا ثبتَ ما ذكرناه، جاز تقديم خبر المبتدأ عليه، وإن كان فيه ضمير، لأنَّ النيَّة فيه التأخير، من قِبل أنَّ مرتبة المبتدأ قَبل الخبر، فاعرفه) انتهى

وقال ابنُ مالكٍ – رحمه الله – في " شرح التسهيل ":

(نحو: " في دارِهِ زيدٌ " جائز بلا خلاف، إذ ليس فيه إلاَّ تقديم خبر مشتمل على ضمير عائد على مبتدأ متأخِّر، ولا بأس بذلك، لأنه مقدَّم في الرتبة، فأُجمِع على جوازه.

كما أُجمِع في " باب الفاعل " على جواز نحو: " ضَربَ غلامَهُ زيدٌ ") انتهى

وقال المتنبي، من " البسيط ":

كأنَّها الشَّمسُ يُعيِي كَفَّ قابِضِهِ * شُعاعُها ويَراهُ الطَّرفُ مُقْتَرِبا

الضمير في " قابضه " للشعاع "، و" شُعاعُها " فاعل " يُعيِي ".

وفيه عود الضمير إلى متأخِّر لفظًا لا رتبة.

قلتُ: وكذا يجوز أن يرجع الضمير إلى متقدِّم لفظًا لا رتبة، نحو قوله تعالى: {أمْ علَى قُلُوبٍ أقْفالُها} سورة محمَّد 24.

وتُعرَف هذه المسألة، بعَود ضمير متَّصل بالمبتدأ على بعض متعلق الخبر، وهو من مسائل وجوب تقدُّم الخبر، قال ابنُ مالكٍ – رحمه الله -:

كَذا إذا عادَ علَيْهِ مُضْمَرُ * مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِينًا يُخْبَرُ

فـ {أقفالُها}: مبتدأ مؤخَّر.

و {على قُلوبٍ}: خبر مقدَّم، ولا يجوز تأخيره، لئلاَّ تعود الهاء المتَّصلة بـ {أقفالُها} على {قُلُوبٍ}، وهي متأخِّرة في الرتبة، لأنها بعض متعلق الخبر، فيعود الضمير على متأخِّر لفظًا ورتبة.

وإذا اتَّصل بالفاعل ضمير المفعول، وَجبَ توسُّط المفعول بين الفعل وفاعله.

نحو قوله تعالى: {وإذِ ابْتَلَى إبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ} سورة البقرة 124.

فـ {إبراهيمَ} مفعول مقدَّم.

ولفظ الجلالة {ربُّهُ}: فاعل مؤخَّر وجوبًا.

قال السمين، في " الدرِّ المصون ":

{إبراهيمَ}: مفعول مقدَّم، وهو واجب التقديم عند جمهور النُّحاة، لأنه متى اتَّصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول، وَجبَ تقديمه، لئلاَّ يعود الضمير على متأخِّر لفظًا ورتبة.

هذا هو المشهور، وما جاء على خلافه، عدّوه ضرورة) انتهى

وقال جلَّ وعزَّ: {يَومَ لا يَنفعُ الظَّالِمِينَ مَعذِرَتُهُمْ} سورة غافر 52.

فـ {مَعذِرَتُهُمْ} فاعل مؤخَّر.

و {الظَّالِمينَ} مفعول مقدَّم وجوبًا.

وإنما وَجبَ تقديم المفعول فيهما، لئلاَّ يعود ضمير على المفعول، وهو متأخر لفظًا ورتبة.

أما نحو قَول جرير، وهو يَمدحُ أمير المؤمنين، الخليفة العادل، عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه -، والبيت " من البسيط ":

جاءَ الخِلافةَ أوْ كانَتْ لَهُ قَدَرًا * كَما أتَى ربَّهُ مُوسَى على قَدَرِ

فلو قيل: " كما أتى موسى ربَّه " لكان جائزا.

وذلك لأنَّ الضمير حينئذ، يكون عائدا على متقدم لفظًا ورتبة، وذلك هو الأصل في عود الضمير.

والله أعلم.

أستاذي الحبيب: أرجو أن يكون في هذا القدر كفاية.

مع عاطر التحايا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير