تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الحرب والأمم الصغيرة]

ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 10:50 م]ـ

[الحرب والأمم الصغيرة]

كان في أحد المروج نعجة وحمل يرعيان.

وكان فوقهما في الجو نسر يحوم ناظراً إلى الحمل بعين جائعة يبغي إفتراسه

وبينما هو يهم بالهبوط لإقتناص فريسته، جاء نسر آخر وبدأ يرفرف فوق النعجه

وصغيرها وفي أعماقه جشع زميله.

فتلاقيا وتقاتلا حتى ملأ صراخهما الوحشي أطراف الفضاء.

فرفعت النعجة نظرها إليهما منذهلة، والتفتت إلى حملها وقالت:

((تأمل ياولدي، ما أغرب قتال هذين الطائرين الكريمين!!

أوليس من العار عليهما أن يتقاتلا، وهذا الجو الواسع كاف لكليهما

ليعيشا متسالمين؟؟

ولكن صلّ ياصغيري، صلّ في قلبك إلى الله، لكي يرسل سلاماً إلى

أخويك المجنحين!))

فصلى الحمل من أعماق قلبه!

..................................................

الصحيفة البيضاء

قالت صحيفة ورق بيضاء (كالثلج):

((قد برئت نقية طاهرة وسأظل نقيةً إلى الأبد. وإنني لأوثر أن احرق وأتحول

إلى رماد أبيض، على أن آذن للظلمة فتدنو مني وللأقذار فتلامسني))

فسمعت قنينة الحبر قولها وضحكت في قلبها القاتم المظلم ولكنها خافت

ولم تدن منها.

وسمعت الأقلام أيضاً على أختلاف ألوانها ولم تقربها قط.

وهكذا ظلت صحيفة الورق بيضاء كالثلج ــــ نقيةً طاهرة ــــ ولكن ... فارغة ...................................................

العالم والشاعر

قالت الحية للحسون: ((ما أجمل طيرانك أيها الحسون! ولكن حبذا لو أنك تنسلّ

إلى ثقوب الأرض وأوكارها. حيث تختلج عصارة الحياة في هدوء وسكون!))

فأجابها الحسون وقال: ((أي وربي! إنك واسعة المعرفة بعيدتها، بل انت

أحكم جميع المخلوقات، ولكن حبذا لو أنك تطيرين)).

فقالت الحية كأنها لم تسمع شيئاً: ((مسكين أنت أيّها الحسون! فأنك

لا تستطيع أن تبصر أسرار العمق مثلي، ولا تقدر أن تتخطر في خزائن المماليك

الخفية، فترى أسرارها ومحتواياتها، أما أنا فلا أبعد بك، فقد كنت في الأمس

متكئة في كهف من الياقوت الأحمر أشبه بقلب رمانة ناضجة، وأضأل الأشعة

تحولها إلى وردةٍ من نور.

فمن أعطي سواي في هذا العالم أن يرى مثل هذه الغرائب؟)).

فقال لها الحسون: ((بالصواب قد حكمت أيتها الحكيمة، فلا أحد إلاك يستطيع

أن يفترش ما تبلور من تذكارات العصور، وآثار الدهور. ولكن وا أسفاه،

فأنك لا تغردين!)).

فقالت الحية: ((إنني أعرف نباتاً تمتدّ جذوره إلى أحشاء الأرض، وكل من

يأكل من تلك الجذور يصير أجمل من عشتروت)).

فأجابها الحسون قائلاً ((لا أحد، إلاك قد أهتدى إلى حسر القناع عن فكر

الأرض السحري. ولكن واأسفاه، فأنك لا تطيرين!))

فقالت الحية: ((وأعرف جدولاً أرجوانياً يجري تحت جبل عظيم، وكلّ من يشرب

من هذا الجدول يصير خالداً خلود الآلة. وليس بين الطير أو الحيوان من أهتدى

إلى ذلك الجدول سواي)).

فأجاب الحسون وقال ((بلى والله. فإن في منالك أن تكوني خالدة مثل الآلة

لو شئت. ولكن واأسفاة، فأنك لا تغردين!)).

فقالت الحية ((وأعرف هيكلاً مطموراً تحت تراب الأرض، لم يهتد إليه باحث أو

منقب بعد، أزوره مرة في الشهر، وهو من بناء جبابرة الأزمنة الغابرة.

وقد نقشت على جدرانه أسرار جميع الأزمنة والأمكنة، وكل من يقرأها ويفهمها

يوازي الآلهة في العقل والمعرفة)).

فأجابها الحسون قائلاً ((بلى أيتها الحكيمة العزيزة، فإنك لو شئت لاستطعت

أن تكتنفي بلين جسدك جميع معارف الأجيال. ولكنك وا أسفاه، لا تقدرين

أن تطيري)).

فاشمأزت الحية إذ ذاك من حديثه، وارتدت عنه إلى وكرها وهي تبربر

في ذاتها قائلة: ((قبحه الله من غرّيد فارغ الرأس!!!)).

أما الحسون فطار وهو يغني بأعلى صوته قائلاً:

((واأسفاه، إنك لا تغردين! واأسفاه، واأسفاه ياحكيمتي، فإنك لا تطيرين!)) ...................................................

الأثمان

كان رجل يحفر في حقله.

وفيما هو يحفر عثر على تمثال بديع من المرمر الجميل.

فأخذه ومضى به إلى رجل كان شديد الولع بالآثار والعاديّات وعرضه عليه.

فاشتراه منه بأبهظ الأثمان.

ومضى كل منهما في سبيله.

وبينما كان البائع راجعاً إلى بيته أخذ يفكر في ذاته قائلاَ:

((وما أكثر مافي هذا المال من القوة والحياة! إنه بالحقيقة ليدهشني كيف

أن رجلاً عاقلاً ينفق مالاً هذا مقداره لقاء صخرٍ أصم فاقد الحركة، كان مدفوناً

في الأرض منذ ألف سنة ولم يحلم به أحد)).

وفي الساعة عينها كان المشتري يتأمل التمثال مفكراً وقائلاً في ذاته:

((تبارك ما فيك من الجمال! تبارك مافيك من الحياة! حلم أية نفس علوية انت؟

هذه بالحقيقة نضارة أعطيتها من نوم ألف سنة في سكينة الأرض؟

أنني والله لا أفهم كيف يمكن الإنسان أن يبيع مثل هذه الطرفة النادرة بمال

جامد زائل)) ..........................

التوبة

دخل رجل في ليلة ظلماء إلى حديقة جاره، فسرق أكبر بطيخة وصلت إليها يده

وحملها وجاء بها إلى بيته.

وعندما كسرها وجد أنها عجراء لم تبلغ بعد نموها، فتحرك ضميره في داخله

إذ ذاك، وأوسعه تونيباً، فندم على أنه سرق البطيخة.

المصدر,

"جبران خليل جبران"

كتاب السابق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير