تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الأندلسيون يعشقون]

ـ[ديمة الله]ــــــــ[30 - 01 - 2009, 12:56 م]ـ

[الأندلسيون يعشقون]

بقلم / سلمى الحفار الكزبري

تجلى اهتمام الكتّاب والشعراء الأندلسيين - وحتى رجال الفقه منهم - بالحب في أعمالهم, وقد عالجوا موضوعه بكل صراحة ووضوح مما لم نلحظ مثله في أدبنا العربي المشرقي إلا نادراً.

كما أننا لم نلحظ عند الأندلسيين أي أثر للحب العذري الذي تغنى به شعراؤنا العرب القدامى المتمثلين بكل من جميل بثينة وكثير عزة على أن أسماء محبوباتهم ظهرت في قصائدهم المترجمة مشاعرهم المتسمة بالخفر.

أما في الأندلس فإننا وجدنا وصفاً للحب وحالاته وتحليلاً لها في كتاب (طوق الحمامة) الشهير الذي ألّفه عالم وإمام وأديب وشاعر هو عليّ ابن حزم, ووجدنا قصائد رائعة في الحبّ في ديوان ابن زيدون وما وصلنا من أشعار حبيبته ولادة بنت المستكفي بالله الذي كان آخر الخلفاء الأمويين في الأندلس, وغيرهما من الرجال والنساء الذين سنأتي على ذكرهم.

طوق الحمامة

كتب ابن حزم (طوق الحمامة في الأُلْفَة والأُلاف) سنة 994م في قرطبة حيث كان يقيم أي قبل أكثر من ألف عام مضى, وفي الثالثة والأربعين من عمره فجاء عمله دراسة وافية لحالات الحب وأنواعه نابعة من خبرته للحياة والطبيعة الإنسانية للرجل والمرأة, ومن تجربته الشخصية يوم كان في مطلع صباه, فاعتبره الباحثون العرب والمستعربون الأجانب أكمل كتاب, بل أول كتاب مُلم بموضوع الحب وحالاته المتنوعة, وأول أثر من نوعه مدبّج بلغة سهلة وصراحة مدهشة.

ذكرت أن ابن حزم كان يوم ألّفه في الثالثة والأربعين من العمر, فاستهله برسالة وجهها إلى أمير من أصدقائه كان قد أوعز إليه بدراسة هذا الموضوع, استهلّها يقول:

(الحبّ, أعزك الله, أوّله هزلٌ وآخره جَدٌّ, دقّت معانيه عن أن توصف لجلالتها فلا تُدرك معانيها إلا بالمعاناة. والحب ليس بمنكرٍ في الديانة ولا بمحظور في الشريعة إذ القلوب بيد الله عز وجل. الحب هو اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في الخليقة, كما أن للتمازج والتباين بين المخلوقات سرّاً دليله الاتصال والانفصال).

يقف قارئ هذا الكتاب بإعجاب حيال صراحة العالم والفقيه ابن حزم في وصف حبه الأول لجارية رائعة الحسن يوم كان في الخامسة عشرة من العمر.

كانت تلك الفتاة في مثل سنّه تقريباً فذكر لنا أنه سعى للتحدث إليها والإعراب عن عاطفته تجاهها فكانت لا تجيب لشدّة حيائها وحذرها.

وصفها بأنها كانت تجيد العزف على العود والغناء وأنه سمعها تغني أبياتاً للعباس بن الأحنف في البستان ذات يوم فازداد بها كلفاً ووصف تأثير غنائها فيه حيث قال: (والله ما نسيت ذلك اليوم ولن أنساه إلى يوم مفارقة الحياة!) وأضاف يقول في كتابه إنه أرسل إليها بيتين من الشعر الرقيق تعبيراً عن ولعه بها وعن عذره لها كذلك بداعي احتراسها وتفهّمه لتمنّعها هما:

لا تَلُمْها على النفارِ وَمَنْعِ

الْوَصْلِ, ما هذا بنكيرِ

هل يكون الهلالُ غَيْرَ بعيدٍ?

أو يكونْ الغزالُ غَيْرَ نفيرِ?

كما أضاف ابن حزم يقول إنه شعر بغيرة شديدة من الشاعر عباس بن الأحنف لأنها غنت أبياتاً من شعره على عودها فأرسل إليها البيتين التاليين:

مَنَعْتِ جمالَ وجهكِ مقلتيّا

ولفظكِ قد ضَنَنْتِ بِهِ عليَّ

وَقَد غَنَّيتِ للعباسِ شعراً

هنيئاً ذا للعباسِ هنيّاً

ولكن هذين البيتين ظلا بلا جواب فخاطبها من جديد معرباً عن شدة هيامه بها ببيتين آخرين من شعره بعث بهما إليها قائلاً, بل شاكياً همّه, ومعرباً عن هيامه بها:

وأستلِذُّ بلائي فيكَ يا أَمَلي

ولستُ عنكَ مدى الأيام أَنْصَرِفُ

إن قيل لي: تَسَلَّى عن مودتِهِ

فما جوابي إلا: اللامُ والأَلِفُ!

ثم اعترف بأن الحبّ داءٌ عياء, وعِلَّةٌ مشتهاة لا يودّ المحب الشفاء منها أبدا!

لقد تُرجم (طوق الحمامة) إلى لغات أوربية متعددة, وفيه ذكر لنا أخباراً عن حبّ الأمراء والخلفاء الأندلسيين للنساء, منها أن الخليفة الحكم المستنصر بالله هام بفتاة إسبانية من منطقة (الباسك) الشمالية كانت تدعى: (أورودا - auroda) فتزوجها وأسماها (صبح) وهي التي لعبت دوراً كبيراً في حياة الأندلس السياسية وأنجبت له ابنه الخليفة هشام بن الحكم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير