تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تركت أباك مرعشةً يداه

ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 06:59 ص]ـ

لما وجه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الجيش إلى اليرموك قام إليه أمية بن الأسكر الكناني فقال: يا أمير المؤمنين هذا اليوم من أيامي لولا كبر سني. فقام إليه ابنه كلاب، وكان عابداً زاهداً، فقال: لكني يا أمير المؤمنين أبيع الله نفسي وأبيع دنياي بآخرتي. فتعلق به أبوه وكان في ظل نخل له وقال: لا تدع أباك وأمك شيخين ضعيفين ربياك صغيراً حتى إذا احتاجا إليك تركتهما! فقال: نعم أتركهما لما هو خير لي. فخرج غازياً بعد أن أرضى أباه، فأبطأ وكان أبوه في ظل نخل له، وإذا حمامة تدعو فرخها، فرآها الشيخ فبكى، فرأته العجوز فبكت، وأنشأ يقول:

لمن شيخان قد نشدا كلاباً ..... كتاب الله إن ذكر الكتابا

أناديه ويعرض لي حنينٌ ..... فلا وأبي كلابٌ ما أصابا

تركت أباك مرعشةً يداه ..... وأمك ما تسيغ لها شرابا

فإن أباك حين تركت شيخٌ ..... يطارد أينقاً شزباً جذابا

إذا رُتّعن إرقالاً سراعاً ..... أثرن بكل رابيةٍ ترابا

طويلاً شوقه يبكيك فرداً ..... على حزنٍ ولا يرجو الإيابا

إذا غنت حمامة بطن وجٍّ ..... على بيضاتها ذكرا كلابا

فبلغت هذه الأبيات عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأرسل إلى كلاب فوافاه فقال: إنه بلغني أن أباك وجد لفراقك وجداً شديداً فبماذا كنت تبره؟ قال: كنت أبره بكل شيء حتى أني كنت أحلب له ناقة فإذا حلبتها عرف حلبي. فأرسل عمر، رحمه الله، إلى الناقة فجيء بها من حيث لا يعلم الشيخ فقال له: احلبها. فقام إليها وغسل ضرعها ثم حلبها في إناء. فأرسل عمر، رحمه الله، بالإناء إلى أبيه فلما أُتي به بكى ثم قال: إني أجد في هذا اللبن ريح كلاب. فقال له نسوة كن عنده: قد كبرت وخرفت وذهب عقلك، كلاب بظهر الكوفة وأنت تزعم أنك تجد ريحه! فأنشأ يقول:

أعاذل قد عذلت بغير علمٍ ..... وهل تدري العواذل ما ألاقي

سأستعدي على الفاروق رباً ..... له حجُّ الحجيج على اتساق

إن الفاروق لم يردد كلاباً ..... إلى شيخين ما لهما تواقي

فقال له عمر: اذهب إلى أبيك فقد وضعنا عنك الغزو وأجرينا ك العطاء. قال: وتغنت الركبان بشعر أبيه. فبلغه فأنشأ يقول:

لعمرك ما تركت أبا كلابٍ ..... كبير السن مكتئباً مصابا

وأماً لا يزال لها حنينٌ ..... تنادي بعد رقدتها كلابا

لكسب المال أو طلب المعالي ..... ولكني رجوت به الثوابا

وكان كلاب من خيار المسلمين، وقُتل مع علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، بصفين وعاش أبوه أمية دهراً طويلاً حتى خرف، فمرّ به غلام له كان يرعى غنمه وأمية جالس يحثو على رأسه التراب فوقف ينظر إليه، فلما أفاق بصر بالغلام فقال:

أصبحت لهواً لراعي الضأن أعجبه ..... ماذا يريبك مني راعي الضان

انعق بضأنك في أرض بمخضرةٍ ..... من الأباطح واحسبها بجلدان

انعق بضأنك إني قد فقدتهم ..... بيض الوجوه بني عمي وإخواني.


قصةٌ أدمعتني ... من كتاب المحاسن والمساوئ.

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 12:55 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي اللبيب على هذه الرقائق اللطيفة والتي هي حقاً كما ذكرت.

ـ[المستبدة]ــــــــ[16 - 02 - 2009, 09:13 م]ـ
شكرا لك يا أستاذ،بحق تحفة
من جميل القصيد.

ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[19 - 02 - 2009, 09:05 ص]ـ
بارك الله فيكم.

ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[19 - 02 - 2009, 11:13 ص]ـ
أحسنت أيها الأديب اللبيب الأريب، حقا ذلك من جميل الشعر وأعذب القصص.

ـ[بسمة الكويت]ــــــــ[20 - 02 - 2009, 11:10 م]ـ
من أروع ماقرأت
جزاك الله خيرا

ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 06:01 م]ـ
بارك الله فيكم إخوتي الكرام.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير