فجرٌ في دُجَى الأحداث
ـ[أريج]ــــــــ[02 - 04 - 2009, 02:42 م]ـ
فجرٌ في دُجَى الأحداث
د. عبدالرحمن صالح العشماوي
كلُّ ما صاغَه خيالُ الظُّنونِ=يتهاوى أمَام فجرِ اليقينِ
لغةُ الفجرِ ذاتُ معنىً صحيحٍ=ولسانٍ طَلْقٍ، ولفظٍ مبينِ
يتهاوى أمامها كلُّ ليل=سرمدي من العذاب المُهينِ
لغةٌ تمنح القلوبَ صفاءً=ونقاءً في عصرنا المفتونِ
ها هنا الفجرُ، ما يزال يُريني=كيف ينجو من الخِضَمِّ سَفيني
كيف أَلْقى بشائر الخيرِ، لمَّا=تتضاغى سِباغُ ذاتِ القرونِ
كيف نمضي وإنْ أُقيمتْ سدودٌ=من أكاذيب حاقد وخؤون
ها هنا الفجرُ مشرقاً فاطمئنِّي=يا قلوباً، ويا عيونُ استبيني
ها هنا الفجر، فاقرأوه كتاباً=سُطِّرتْ فيه ذكرياتُ الحنينِ
أيَّ فجر تعنيه؟، كان سؤالاً=جارحاً من مواجعي وشجوني
من ربوع الإسراء للرُّعب فيها=قصصٌ سُطِّرتْ بحبر المَنُونِ
من بناتٍ محصَّناتٍ يتامى=لا تقولوا: مَنْ هُنَّ لا تَجرحوني
لا تقولوا: مَنْ هُنَّ، هُنَّ دموعٌ=ذرفتْها جفونُ عرضٍ مَصُونِ
كان قبلَ الغاراتِ عرضاً مصوناً=وهو اليومَ، وصْمةٌ في الجبينِ
أي فجرٍ تعنيه، كان سؤالاً=من عجوز يعيش عِيشَةَ هُونِ
من ثكالى وَلَجْن بابَ المآسي=شاحباتٍ يبكينَ فقد البنينِ
من صغارٍ في القدس ذاقوا وبالاً=ولهذا بِحُرْقةٍ سألوني:
أيَّ فجر تعنيه، والليلُ أعمى=مزَّق القَصْفُ فيه ثوبَ السُّكونِ؟
أيَّ فجرٍ تعنيه، هل هو فجرٌ=من ترانيم شعرك الموزونِ؟؟
من عباراتك الجميلة، إنَّا=لنراها بديعةَ التَّلحينِ؟
نحن يا شاعرَ التفاؤلِ نَحيا=مُنْذُ دهرٍ في ليلنا «الصهيوني»
كيف تشدو بالفجر والناسُ تشكو=من ظلام مُعَتَّقٍ بالأنينِ؟!
أي فجر رأيته؟ هل تناءَى=بك وعيٌ عن صرخة من سجينِ؟!
عن دموع الأيتام في كل أرضٍ=والثكالى ومُسْقِطاتِ الجنينِ؟!
عن قتيل في القدس من غير ذنبٍ=عمره في الشهور، قبل السنينِ؟!
عن بيوت الأفغان صارتْ ركاماً=أكْسَبَتْهُ الدماءُ حمرةَ طينِ؟!
عن ألوف المشردين الضحايا=يتمنون حَفْنَةً من طحينِ؟!
لغة الفجر عذبة غير أنَّا=لم نُمَتَّعْ بلحنها منذ حين
أيَّ فجر تعنيه، هل هو فجرٌ=لانتصارات ألْفِنا المليون؟!
أيَّ فجر تعنيه؟، يا لسؤال=مرَّ كالسهم نحو قلبي الحزين؟!
هزَّني ذلك السؤال، وكادتْ=حسرتي تحت وقعه تَجْتَويني
غيرَ أني نفضتُ وَهْمَ انكساري=حين لاحت أنواره تدعوني
إنه الفجر، كيف تنسون فجراً=ساطعَ النور، في الكتاب المبين؟!
في هُدَى الأنبياء من عهد نوح=وختاماً بالصادق المأمون؟
منذ أن عاش في حراء وحيداً=ثم نادى في أهله: دثروني
ثم أحيا القلوب بعدَ مواتٍ=وحماها من وسوسات اللعين
ها هنا الفجر، فاركضي يا قوافي=في ميادين لهفتي واتبعيني
وابعثي لحنك الجميل نداءً=من صميم الفؤاد، لا تَخْذُليني:
يا ابن أرض الهُدَى، أرى العصر يشكو=من دعاة التيئيس والتوهينِ
وأرى السَّامريَّ يصنع عجلاً=وينادي برأيه المأْفون
وأرى صَوْلةَ البُغاة علينا=روَّعتْنا في قُدسنا المحزون
وأرى فتنةً تلاحق أخرى=وجنوناً للحرب بعد حنون
وأرى القوة العظيمة صارتْ=آلةَ الموت في يد «التِّنينِ»
وأرى الوهم مُمْسِكاً بالنواصي=مُستخفّاً بكل عقل رزينِ
يا أبا متعب أرى الغربَ يرمي=بدعاوى ممهورة بالظنون
هم أراقوا دَمَ العدالة لمَّا=واجهوا أمتي بحقد دفين
أهدروا «دُرَّةَ» الصِّغار وصانوا=دَمَ سفاح قُدسنا «شارون»
رسموا العنف لوحةً لوَّنوها=بدماء الضعيف والمسكين
نسبوها زُوراً إلينا ولسنا=في يَسارٍ من أمرها أو يمين
عجباً، غيَّروا الحقائق حتى=منحوا للهزيل وصف السمين
ألبسونا الإرهاب ثوباً غريباً=ورمونا بكلِّ فعلٍ مَشينِ
أيكونُ الإرهابَ في صَدِّ باغٍ=مستبد وظالم مُستهينِ؟؟
أيكونُ الإرهاب في نصر حقٍ=واحتكام إلى تعاليم دينِ؟!
إنها الحربُ أشعلوها، فماذا=يَصْنَع السيفُ في يدِ المستكين؟!
يا أبا متعب أرى الأرض عَطْشى=تطلب الماء من شحيح ضنين
تتلوَّى جوعاً على باب أفعى=ونريد الإنقاذ من حَيْزَبُونِ
لو أصَخْنا سمعاً إليها رهيفاً=لسمعنا نداءها: أنقذوني
أنقذوني من ظالم مستبد=لم تزلْ نارُ ظُلمه تُصْليني
أنقذوني من الفساد، تمادى=وسرى في النفوس كالطاعون
يا أبا متعب، هي الأرض تشكو=وتنادي يا قوم لا تتركوني
عندنا نحن أمنُها وهُداها=ولدينا وسائل التأمينِ
من حمى بيتنا الحرام انطلقنا=نُنقِذُ الناس من ظلام السجون
¥