تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دموع في مآقي الزمن]

ـ[أمير الزاهرة]ــــــــ[09 - 03 - 2009, 04:02 ص]ـ

((دموع في مآقي الزمن))

هوالدهر والأقدار يجري بها الدهر =فما لامرئ نهي على الدهر أو أمر

فصبرا ولا تجزع لما فعل القضا =وإن جل خطب الدهر واستفظع الأمر

إذا حل عسر فاصبرن لزواله =فإن جميل الصبر يتبعه اليسر

وإن لم تطق صبرا بأول صدمة =تصبر فإن الصبر يأتي به الصبر

تصبر ولو أن الذي عال صبره =مصابك هذا قد يكون له عذر

مصاب به هالت مصائب أمة =على عتبات الكفر ينحرها الكفر

مصاب بمن من فقدهم تذرف السما =وتنتحب الأرضون والبر والبحر

كأن المنايا إن تغير وتنتقي =لها دليل بيننا ولها وتر

فسبحان من أغرى المنايا بأهله =كأن لها ثأرا وليس لها ثأر

ليختار من يختار منهم ويصطفي =له الحكمة العليا له الأمر والنهي

توخى الردى فاختار في الناس وانتقى =خيارا كراما مثلما ينتقى التبر

عصائب نزاع من الأرض كلها =يوحدهم دين ويجمعهم فكر

توحدهم في الله أقوى عقيدة =ولا نسب غير العقيدة أو صهر

فما جمعتهم في الأصول قبيلة =وما ضمهم حي ولم يحويهم قطر

دعتهم ثغور العز من كل موطن =فطاروا سراعا ما لهم دونها صبر

ثبات ووحدان من الأرض كلها =يوحدهم هم وأوطانهم كثر

نفى عنهم هم التنعم همهم =فأبدانهم شعث وأثوابهم غبر

نحافا وسمرا كالرماح تراهم =وتحمد عند الطعن شعث القنى السمر

ويحمد في العظم البلى وهو قاطع =ويحسن في الخيل المسومة الضمر

مضوا يشربون الموت كأسا شهية =ولو أن طعم الموت مستثقل مر

ولكن في ذات الإله ودينه =لمن أشرب الإيمان يستعذب الصبر

أبوا أن يعشوا كالعبيد بعالم =تحكم فيه الظلم واستحكم الكفر

فليست تطيق الضيم نفس أبية =ولا يقبل الإذلال في دينه حر

ففي الأرض منأى للكريم عن الأذى =وفي الموت منأى عنه إن لزم الأمر

فما عاش من عاش الحياة بذلة =ولو طال ذاك العيش ما بقي الدهر

وما مات من في الله ماتوافمبتدا =حياتهم من حيث ينتهي العمر

أولئك إخواني على كل جبهةبها =منهم ذكر وفي ثغرها قبر

قبورهم بين الثغور غريبة =يباعد منها السهل والجبل الوعر

وكم من غريب في بلاد غريبة =وفي الملأ الأعلى له الشأن والذكر

تقل هناك الباكيات عليهم =وفي أرضهم باكون لو علموا كثر

تعمر آفاق الثغور قبورهم =وأوطانهم منها مرابعها قفر

سقاهم إله العرش من بحر جوده =حيا مستمرا لا بطيء ولا نذر

أولئك إخواني فمن لي بمثلهم =بمثلهم يستنزل النصر والقطر

رفاق بدرب العز والمجد والعلا =فصحبتهم فخر لمن همه الفخر

وعز به يثنى على المرء في الدنا =ودين به في الله يلتمس الأجر

وكانت بها الأيام أحلى من المنى =فطابت بها الدنيا وطاب بها العمر

لئن كان أفلاك من الدهر صرفه =فإن لكم ذكرى سيفنى به الدهر

لدى ذكركم تحيا المحامد والعلا =وما مات من في ذكره للعلا ذكر

فإن سترت تلك القبور جسومكم =فثم خصال ليس يسترها قبر

فثم التقى والجود والحلم والنقى =وصدق اللقا يوم الكريهة والطهر

مغاوير في الهيجا مصابيح في الدجى =بكم في ليالي الكرب يستطلع الفجر

تجودون بالأرواح إن ضن غيركم =وما تستوي الأرواح في البذل والوفر

من المجد نلتم غاية بعد غاية =يقودكم عزم ويدفعكم صبر

ونلتم خصالا لا يغير أهلها =إذا حل عسر بينهم أو أتى يسر

وثم خصال دونها في علوها =وإشراقها في ليلنا الأنجم الزهر

ولو رام شعر حصر كل خصالكم =لأحصر ثم الحصر وانقطع الشعر

لو أن امرءا أنجاه بر من الردى =لأنجاكم مما أصابكم البر

ولكنها الآجال إن حان حينها =فما لامريء بر يقيه ولا بحر

شربتم بكأس قد سقيتم بمثلها =مرارا وما في ذاك عار ولا نكر

ففتكتكم في الكفر لم ير مثلها =وما فاق حتى الآن من هولها الكفر

ولا زال مصعوقا بها مترنحا =كأن به سكرا وليس به سكر

من السكر ما تأتي به الخمر غالبا =ومنه الذي يأتي به الذعر لا الخمر

فلله عزم من أولى العزم صادق =ولله صبر ما رأى مثله الصبر

ولله درب لم ترى البيض مثله =ولا سمعت عنه الردينية السمر

ولا فعلة في الكفر كانت كفعله =ولا فتكة فيه عوان ولا بكر

نطحتم بعزم هامة الكفر نطحة =تهشم منها الرأس وانقصم الظهر

فخرت قلاع الكفر للأرض بعدما =تبخر منه الشطر واشتعل الشطر

فقامت من الهول الرهيب قيامة =تحير في أوصافها الفكر والشعر

وأضحى حمى الأعداء للنار مرتعا =وكان حمى حظرا وما نفع الحظر

ففروا فرارا يجمحون كأنهم =من الذعر فئرانا تملكها الذعر

فأدركتم ثأرا من الكفر ضائعا =بثأر كهذا الثأر فليدرك الثأر

فأنهلتم منه الردى ثم فارتوى =وعل ولم يعجنه من عله الصدر

شفيتم صدورا ملؤها الغيظ قبلكم =ألا بعد طول الغيظ قد شفي الصدر

وأيقظتم التاريخ بعد ثباته =فقد نهضت حطين واستيقظت بدر

كتبتم نشيدا خالدا بصنيعكم =تغني به الدنيا وينشده الدهر

سنبقى كما كنا على العهد بيننا =غزاة بنا يشقى وقد شقي الكفر

نذلل سبل المجد بالبذل والعطا =وبالصبر للاعدا إذا جزع الصبر

عن الدرب ما حدنا على العهد لم نزل =إلى أن يحين الحين أو يسعف النصر

إذا ما نزلنا ساحة الكفر في الوغى =تفشى هناك الموت وانتشر الذعر

فإن نحن نلنا ما نريد ونبتغي =فذاك وإلا كان في موتنا عذر

يذكرنيكم كل حزن يصيبني =وكل سرور لي بكم عنده ذكر

ولا عجب إن الشجى يبعث الشجى =وكل سرور منه في جنسه ذكر

إذا طلعت شمس النهار ذكرتكم =وأذكركم ذكرا إذا طلع البدر

وإن جن جنح الليل جدد ذكركم =وجدده فجري إذا طلع الفجر

ففيكم ولو سطرت كل قصائدي =لما بلغت في القدر ما أوجب القدر

يعزي أخاكم أنه لاحق بكم =وإن مد في الآجال وانفسح العمر

لأبوحفص الموريتانى

(محفوظ ابن الوالد)

الى الملتقى

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير