[الإنصاف في الشعر العربي]
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 07:16 م]ـ
النَّصَفُ والإنْصاف العَدْلُ وهو عزيز ومن الناس من يعطي النصف من نفسه وقليل ما هم وهو عند الشعراء أقل فلا تنتظر الإنصاف من شاعر يفخر أو يهجو فإنه قد جاوزه.
ولأن الإنصاف كسائر الأخلاق في الناس يتصف به أناس وتضيق به صدور آخرين هو من شيم الكرام والسادة فإن في الشعراء من فعل هذا وأنصف خصمه في شعره أو كان موضوعيا وأضافت هذه القيمة إلى القصيدة جمالا وروعة وصار الشاعر موضع ثقة وما أشد موضوعية عمرو بن معد يكرب حين يقول:
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم=نطقت ولكن الرماح أجرت
فهو يعتب على قومه لأنهم يريدون ثناء بلا ثمن ولابد دون الشهد من إبر النحل والجود يفقر والإقدام قتال فيقول لو كان لكم فعل لكن لي قول فافعلوا لأقول وجعل الفعل سبب مباشرا للقول فهو سبب النطق وخصّ الحرب بالفعل هنا فهي منطقة العيي.
ومن الإنصاف قول قيس بن زهير العبسي في حَمَل بن بدر الفزاري الذي قتله قومه أو قتله هو وقد قيل لم يمدح أحد قتيلا قتله قومه غير قيس:
تعلم أن خير الناس ميت=على جفر الهباءة لا يريم
ولولا ظلمه ما زلت أبكي=عليه الدهر ما طلع النجوم
ولكنّ الفتى حمل بن بدر =بغى والبغي مرتعه وخيم
وما أجمل أبيات قيس هذه فإنه نال فيها شرف المنتصر ونوه بابن بدر بما رفع ذكره هو.
وما أجمل وصفه البغي بأن مرتعه وخيم فإن أهل الأنعام يعرفون الوخامة في بعض البلاد وبعض المراتع فيجنبون أنعامهم المرتع الوخيم ولا تغرهم الخضرة لأنها لا تنفعها وإن ملأت منها البطون وباتت شبعى بل تنقصها.
ومن الإنصاف قول الحصين بن الحمام المري:
يفلقن هاما من رجال أعزة=علينا وهم كانوا أعق وأظلما
وجوه عدو والصدور حديثة=بود فأودى كل ود وأنعما
نحاربهم نستودع البيض هامهم=ويستودعونا السمهري المقوما
فلم يستأثر لنفسه بكبير حق ولم يغمطهم حقهم ولم ينكرقدرهم.
ويظهر الإنصاف جليا في البيت الأخير.
ـ[رؤبة بن العجاج]ــــــــ[09 - 03 - 2009, 01:16 م]ـ
بورك فيك هذا الطرح أستاذنا عامر
ما وجدت كمثل أبيات زهير بن جذيمة في هذا الباب
وكما قلت ما مدح قاتلٌ قتيله كمثل ما مدح العبسي بدراً
ولو أن ذبيانيا رثى بدراً لما جاء كمثل كلمة زهير فيه
وله في كلمة أخرى:
شفيت النفس من حمَل بن بدر =وسيفي من حذيفة قد شفاني
فان أك قد بردت بهم غليلي= فلم أقطع بهم إلا بناني
وهي كلمة نادرة
ولها نظائر في شعر العرب وبالاخص من قتلوا أو قاتلوا ذوي رحمهم وأقرباءهم
ومن المنصفات الشهيرة ما قاله العبسي عنترة بن شداد
في معلقته
وهي من عيون الشعر وكثيراً ما تتمثل بها العامة والخاصة
ومدجَّجٍ كرهَ الكماةُ نزالهُ = لا مُمعنٍ هرباً ولا مستسلمِ
لمَّا رآني قد نزلتُ أُريدهُ = أبدى نواجذهُ لغيرِ تبسُّمِ
جادتْ يدايَ لهُ بعاجلِ طعنةٍ = بمثقَّفِ صدقِ الكعوبِ مقوَّمِ
فشككتُ بالرُّمحِ الأصمِّ ثيابهُ = ليسَ الكريمُ على القنا بمحرَّمِ
وأظن المتنبي اقتبس قوله:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة = فلا تظننّ أن الليث مبتسم
من قول عنترة:
لمَّا رآني قد نزلتُ أريدهُ = أبدى نواجذهُ لغيرِ تبسُّمِ
وقيل بل استرقه أبو تمام أول مرة من قول عنترة
في كلمة له في مدح أحد قادة بني العباس وأظنه أبو دلف العجلي:
قد قُلِّصَتْ شفتاه من حفيظته= فخيل من شدّة التعبيس مبتسما
فاقتبس المتنبي من أبي تمام
ولا شك أن المتنبي أحسنهما تنزيلاً وإن كان آخرهما تحميلاً
ويعجبني ما قاله المتنبي في الثناء على شجاعة شبيب العقيلي
و هي من أبياته الشهيرة في مدح
كافور الإخشيدي رغم خروج العقيلي عليه:
برغم شبيب فارق السيف كفه = وكانا على العلات يصطحبان
كأنّ رقاب الناس قالت لسيفه = رفيقك قيسيٌّ وأنت يماني!!
زادك الله من فضله العظيم،،
والسلام عليكم أجمعين
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[09 - 03 - 2009, 05:57 م]ـ
بارك الله فيك أستاذنا وراجزنا رؤبة
لقد أمتعت بإضافتك فبارك الله فيك
ومن الأبيات التي ذكرت بيت عجيب وهو:
قتلت بإخوتي سادات قومي=وقد كانوا لنا حلي الزمان
وهذا القول فيه عجيب فكيف الفعل وقد وقع.
وشبيه أبيات ابن زهير "شفيت النفس ... "
أبيات للحارث بن وعلة الجرمي:
لا تأمنن قوما قتلتهم=وبدأتهم بالشتم والرغم
أن يأبروا نخلا لغيرهم=والقول تحقره وقد يُنْمي
قومي هم قتلوا أميم أخي=وإذا رميت يصيبني سهمي
فلئن عفوت لأعفون جللا=ولئن سطوت لأوهنن عظمي
ولهذا المنهج نظائر من نثر وشعر.