[مصاير الأيام]
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[25 - 01 - 2009, 09:30 م]ـ
لم أشأ أن أزري بقصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي "مصاير الأيام" بكلمة من عندي فتأملوها وتأنوا في قراءتها وقد نقلتها لكم من ديوانه.
ألا حبذا صحبة المكتب = وأحبب بأيامه أحبب
ويا حبذا صبية يمرحو= ن عنان الحياة عليهم صبي
كأنهمو بسمات الحيا = ة وأنفاس ريحانها الطيب
يراح ويغدى بهم كالقطيـ = ــع على مشرق الشمس والمغرب
إلى مرتع ألفوا غيره = وراع غريب العصا أجنبي
ومستقبل من قيود الحيا = ة شديد على النفس مستصعب
فراخ بأيك من ناهض = يروض الجناح ومن أزغب
مقاعدهم من جناح الزما = ن وما علموا خطر المركب
عصافير عند تهجي الدرو= س مهار عرابيد في الملعب
خليون من تبعات الحيا = ة على الأم يلقونها والأب
جنون الحداثة من حولهم = تضيق به سعة المذهب
عدا فاستبدّ بعقل الصبي = وأعدى المؤدب حتى صَبي
لهم جرس مطرب في السرا = ح وليس إذا جد بالمطرب
توارت به ساعة للزما = ن على الناس دائرة العقرب
تشول بإبرتها للشبا = ب وتقذف بالسم في الشيب
يدق بمطرقتيها القضا = ء وتجري المقادير في اللولب
وتلك الأواعي بأيمانهم = حقائب فيها الغد المختبي
ففيها الذي إن يُقِم لا يُعدّ = من الناس أو يمضِ لا يحسب
وفيها اللواء وفيها المنا = ر وفيها التبيع وفيها النبي
وفيها المؤخر خلف الزحا = م وفيها المقدم في الموكب
جميل عليهم قشيب الثيا = ب وما لم يجمل ولم يقشب
كساهم بنان الصبا حلة = أعز من المخمل المذهب
وأبهى من الورد تحت الندى = إذا رفّ في فرعه الأهدب
وأطهرَ من ذيلها لم يَلُمّ = من الناس ماشٍ ولم يسحب
قطيع يزجيه راعٍ من الدهـ = ــر ليس بلَيْن ولا صُلّب
أهابت هراوته بالرفا = ق ونادت على الحُيّد الهرب
وصرّف قطعانه فاستبدّ = ولم يخش شيئا ولم يرهب
أراد لمن شاء رعي الجديـ = ــب وأنزل من شاء بالمخصب
وروّى على ريها الناهلا = ت وردّ الظماء فلم تشرب
وألقى رقابا إلى الضاربيـ = ــن وضنّ بأخرى فلم تضرب
وليس يبالى رضا المستريـ = ــح ولا ضجر الناقم المتعب
وليس بمبقٍ على الحاضريـ = ــن وليس بباك على الغُيّب
فيا ويحهم هل أحسوا الحيا = ة لقد لعبوا وهي لم تلعب
تجرب فيهم وما يعلمو= ن كتجربة الطب في الأرنب
سقتهم بسُمّ جرى في الأصو = ل وروّى الفروع فلم ينضب
ودار الزمان فدال الصبا = وشب الصغار عن المكتب
وجدّ الطلاب وكدّ الشبا = ب وأوغل في الصعب فالأ صعب
وعادت نواعم أيامه = سنين من الدأب المنصب
وعُذّب بالعلم طلابه = وغصوا بمنهله الأعذب
رمتهم بهم شهوات الحيا = ة وحب النباهة والمكسب
وزهوُ الأبوة من منجبٍ = يفاخر من ليس بالمنجب
وعقلٌ بعيد مرامي الطما = ح كبير اللبانة والمأرب
ولوع الرجاء بما لم تنل = عقول الأوالي ولم تطلب
تنقل كالنجم من غيهب = يجوب العصور إلى غيهب
قديم الشعاع كشمس النها = ر جديد كمصباحها الملهب
أبو قراط مثل ابن سينا الرئيـ = ـس وهومير مثل أبي الطيب
وكلهمو حجر في البنا = ء وغرس من المثمر المعقب
تؤلفهم في ظلال الرخا = ء وفي كنف النسب الأقرب
وتكسر فيها غرورَ الثرا = ء وزهوَ الولادة والمنصب
بيوتٌ منزهةٌ كالعتيـ = ـــق وإن لم تُستّر ولم تحجب
يداني ثراها ثرى مكة = ويقرب في الطهر من يثرب
إذا ما رأيتهمو عندها = يموجون كالنخل عند الرُّبي
رأيت الحضارة في حصنها = هناك وفي جندها الأغلب
وتعرضهم موكبا موكبا = وتسأل عن عَلَم الموكب
دع الحظ يطلعْ به في غدٍ = فإنك لم تدر من يجتبي
لقد زيّن الأرض بالعبقري = محلي السماوات بالكوكب
وخدّش ظفر الزمان الوجو = ه وغيّض من بشرها المُعْجب
وغال الحداثةَ شرخُ الشبا = ب ولُوشِيَتِ المرد في الشُّيّب
سرى الشيب متّئدا في الرؤو = س سُرى النار في الموضع المعشب
حريق أحاط بخيط الحيا = ة تعجبتُ كيف عليهم غبي
ومن تظهر النار في داره = وفي زرعه منهمو يرعب
قد انصرفوا بعد علم الكتا = ب لباب من العلم لم يكتب
حياةٌ يغامر فيها امرؤ = تسلّح بالناب والمِخلب
وصار إلى الفاقة ابن الغني = ولاقى الغِنَى ولدُ المُتْرَب
وقد ذهب الممتلي صحة = وصحّ السقيم فلم يذهب
وكم منجب في تلقي الدرو= س تلَقَى الحياة فلم ينجب
وغاب الرفاق كأن لم يكن = بهم لك عهد ولم تصحب
¥