تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المقامة المغربية. بقلم: نواف بن محمد آل رشيد]

ـ[أبو المواهب الطنجي]ــــــــ[08 - 01 - 2009, 05:00 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الذي جَعَلَ الضَرْبَ في فِجاج الأرْض، ذاتِ الطولِ وَالعَرْض، مِن وَسَائِل الارْتِقاء، إلى بُلوغ المَقاصِد وتَقَصّي حَقائق ِ الأشياء، ثمّ الصلاة ُ والسلام، على سيّد الأنام، ومِصباح ِ الظَلام، المظلَّل ِ مِن حَرِّ الهَجير بالغَمام، الذي شرّف اللهُ تعالى به الوُجود، وأوْضَحَ بيُمن بَعثَته من شريعة الإسلام الرُسومَ وَالحُدود، سيّدِنا ونبيّنا محمّدٍ الصادق ِ الأمين، وعلى آلِه الأطْهار ِ المَيامين، وأصْحابه أجمعين.

وبعدُ: فيقولُ أسيرُ ذنبه، الراجي عفوَ رَبّه: العبدُ القاصِرُ المقصّرُ (نوّاف)، آمَنَه ذو المَواهِبِ وَالألطاف، من كلِّ ما يَحْذرُ وَيَخاف: كان من عادتي أنا العبدُ الفقير، المعترف دائماً بالتقصير، أنْ أمْتَطيَ غَواربَ الاغتِراب، للظَفَر بما أبْتَغيهِ مِن نَيل الأمانيِّ وَحُصول الآارب، جاعلاً نُصْبَ عَيْني التأسّي بِسِيَر ِ أعْلام النُبَلاء، وأمَاثِل الفُضَلاء، مِن سَلَفِنا الصالح، وإنْ عَبَسَ في تَحقيق ِ الأمْنيَّةِ وَجْهُ الدَهْر ِ الكالِح، لكنْ ثِقَتي وَرَجَائي بما يُيَسِّرُهُ مَن بيَده مَقاليدُ الأمُور، مِن كلِّ ما هُوَ بَعيدُ المَنال ِ مَعسور، لاسيَّمَا لِطالِبِ العِلمِ الشَريف، المَنْصُوص ِ عَلى فَضْلِهِ وَفَضْل ِ حامِليهِ فِي مَأثوراتِ دِينِنا الحَنيف، كلُّ ذلكَ شَحَذ صَارمَ عَزْمِ هِمّتي، فِي سَبيل ِ تحقيق بُِغْيَتي، وَلَم تَحُلْ دونَ هذا القَرار ِالحازمِ عَقَبَة ٌ كَأداء، بَعْدَ الوُثوق ِ بِعِنايَةِ باسِطِ الأرْض ِ وَرَافِع ِ السَماء، لِمَن صَحَّحَ النيّة َ وَمَحَضَ الرَجَاء، فَتَوَكّلتُ عَلى الواحِدِ الأحَد والفَرْد ِالصَمَد، والتوكّلُ عليهِ هُو الغايَة ُ وَالمُعْتَمَد:

تَوَكُّلي عَلَيْهِ نِعْمَ العَوْنُ لِي

فَمُنْتَهَى النُجْح ِ مَعَ التَوَكُّل ِ

فاسْتَعَنتُ اللهَ تعَالى وَمَا لِي سِوَى هِدايَتِهِ مِنْ دَليل، وهو حَسْبي وَنِعْمَ الوكيل، وَعَزَمْتُ عَلى الرَحِيل، مِن مَرابع ِالرياض إلى نَهْر ِ النيل، مَعَ مَا يَعتلِجُ بَينَ جَوانِحي مِن أ ُوَار ِ مُفارَقةِ أبناءِ جِلْدَتي وَمُبارَحَةِ عِراص ِ بَلْدَتي.

وَمَا كانَ كلُّ مَا عَراني، وَاسْتَولى عَلى كِياني، مِنَ الأشْجان وَالأحْزان، بالذي يَثْني عَزْمَتي، ويَكْعَمُ نَهَمَ هِمَّتي عن هِجْرَتي، للارتِواءِ مِنْ مَناهِل ِ العِلْم وَالعِرفان، فاسْتَمِعْ لِمَا أتْلُوْهُ عَليكَ مِنْ مَاجَرَيَاتِ هذِهِ الرحْلَة، واعْتَبِرْ بِما وَرَدَ فِي المَأثور ِ مِنْ أنَّ (مَثَلَ المُؤمِنِ كَمَثَلِ النَحْلَة) فقد أقْلَعَتْ بنا الطائِرة، وَلَمْ تَفْتَأ بسُرْعَتِها الفَائِقةِ لِسُحُبِ السَمَاءِ مَاخِرة، حَتّى هَبَطَتْ فِي مَطار القاهِرة، ذاتِ الآثار ِ الباهِرة، والمَعالِمِ الزاخِرَةِ الزاهِرة، ومِنْها طارَتْ إلى المَغْرِب، وَلَو كُُشِفَ الغَيبُ للمُتقدِّمينَ عنْها لقالوا: هِيَ عَنقاءُ مُغْرِب، إلى أنْ انْتهى بنا المَطافُ إلى الدار البَيضاء، وقرَّتْ نَواظرُنا بمَقْل ِ مَعالِمِها الحِسان الوِضاء، فَمَكَثْتُ بَعْضَ الوَقتِ فِي المَطار، أنْتَظِرُ قُدومَ القَطار، لإيصالي إلى البَلَدِ الذي يَمَّمْتُ وَجهيَ شَطْرَهُ لاكتسابِ المَعارفِ وَنَيل الأوْطار، ومِن ثَمَّ اتَّجَهْتُ إلى فَاس، المُعَطِّرَةِ بِنَشرِ أشْذاءِ رَوْضِها الأ ُنُفِ الأنْفاس، حَمَاهَا اللهُ تعالى مِنْ كُلِّ خَطْبٍ وَبَاس، وَكانَ قد بَناهَا المَولى الشريفُ إدْريس، الذي هُوَ بَيْنَ أشْرافِ عَصْرِهِ وَاسِطَة ُ العِقْدِ النَفيس، وهو الذي نَشَرَ العُلومَ فيها فَقَامَتْ بها سُوقٌ رائجة ٌ للدرسِ والتدريس، وَفيها أوّلُ جَامعةٍ للإسْلام، كما يشهَدُ بذلكَ الخاصُّ وَالعام، وَقَد أخْرَجَتْ لنا في قديمِ الدهْرِ وَحَديثِهِ الكثيرَ الطيِّبَ مِنْ العُلماءِ الأعْلام، فاسْتَقبَلَني الأحْباب، في هاتِيكَ الرِحاب، بكلِّ تِرحاب، وقَدَّموا لي أطعِمة ً كثيرة، لشَهْوَةِ الأكلِ بِلَذائِذِ مَا حَوَتْهُ مُثيرة، كانَ مِنْ ضِمْنِها الحَريرَة، وَبَعدَ أن ِ شربنا الشاهيَ المَغربي، وناهِيكَ بشرابٍ يَلتَذ ُّ باحتِسائِهِ الأعْجَميُّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير