يقول كاتب الدراسة:وقد تأثرنا غاية التأثر رغم صغر سننا في ذلك الوقت حتى إذا كبرت حصلت على ديوانه الشعري وحفظت الكثير من قصائده، وجاءت فترة دراستي الجامعية بمصر من 1949 إلى 1954م من أجمل الفترات التي سعدنا بها في الاجتماع بكبار الأدباء والشعراء بمصر ومنهم أستاذنا الكبير محمود غنيم، وقد قرأت مسرحيته الرائعة: "المروءة المقنعة" وأعجبت بها فأرسلتها إلى أخي وزميلي الأستاذ عمر الدايل المدرس بمدرسة النجاة الذي قام بتدريب تلامذته على تمثيل هذه المسرحية وأخرجها في الحفل السنوي لمدرسة النجاة الأهلية في الزبير، وكانت رائعة نالت إعجاب الأساتذة والطلاب والحضور من ضيوف المدرسة ثم انقطعت الصلة بعد تخرجي وعودتي إلى الزبير.
وأثناء عملي بالكويت مديراً للشؤون الإسلامية، زارني الأستاذ محمود غنيم عام 1969م بمكتبي بالوزارة، وكان لقاءًٍ حاراً وذكرته بالقصيدة، وقلت: إذا كنت تقول قبل أكثر من ربع قرن أن الإسلام كالطير مقصوصاً جناحاه فماذا تقول الآن بعد هذه النكسة والهزيمة التي مُنيت بها بعض الجيوش العربية بزعامة أشباه الرجال من الحكام الطغاة؟!
فقال: في السابق كان الإسلام مقصوص الجناحين، أما اليوم فإن السهام تطعن في القلب فتنزف الدماء، وكانت أحاديث ذات شجون عن أحوال المسلمين في العالم، وواجب الدعاة ومسؤوليتهم تجاه إخوانهم المسلمين، وبخاصة المستضعفون في الأرض.
قالوا عنه
يقول الأستاذ الكبير محمود عبدالحليم مؤلف:محمود غنيم شاعر عربي عظيم، يعتبر بلبل الإسلام الصدّاح، وكانت قصائده التي تنشر في مجلة "الرسالة" القاهرية لصاحبها أحمد حسن الزيات في المناسبات الإسلامية، أنشودة يتغنَّى بها الأدباء، ويقتبس منها الخطباء، ويحفظها النابهون من الشباب. وقد نشرت له (الرسالة) في عددها الخاص بالهجرة سنة 1936م قصيدة عامرة لروعتها وتعبيرها أدق التعبير عن أحوال الأمة حيث تقول:
ما لي وللنجم يرعاني وأرعاه
أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه
إني تذكرتُ والذكرى مؤرقة
مجداً تليداً بأيدينا أضعناه
ويح العروبة كأن الكون مسرحها
فأصبحت تتوارى في زواياه
كم صرّفتنا يد كنا نصرّفها
وبات يملكنا شعب ملكناه
كم بالعراق وكم بالهند ذو شجن
شكا فرددت الأهرام شكواه
هي الحقيقة عين الله تكلؤها
فكلما حاولوا تشويهها شاهوا
هل تطلبون من المختار معجزة
يكفيه شعب من الأجداث أحياه
وحَّد العرب حتى كان واترهم
إذا رأى ولد الموتور آخاه
فكيف كانوا يداً في الحرب واحدة
من خاضها باع دنياه بأخراه
وكيف ساس رعاة الإبل مملكة
ما ساسها قيصر من قبل أو شاه
وكيف كان لهم علم وفلسفة
وكيف كانت لهم سفن وأمواه
سنّوا المساواة لا عرب ولا عجم
ما لامرئ شرف إلا بتقواه
وقررت مبدأ الشورى حكومتهم
فليس للفرد فيها ما تمنّاه
ورحّب الناس حين رأوا
أن السلام وأن العدل مغزاه
يا من يرى عمراً تكسوه بردته
والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً
من بأسه وملوك الأرض تخشاه
سل المعالي عنا إننا عرب
شعارنا المجد يهوانا ونهواه
هي العروبة لفظ إن نطقت به
فالشرق والضاد والإسلام معناه
استرشد الغرب بالماضي فأرشده
ونحن كان لنا ماض نسيناه
إنا مشينا وراء الغرب نقتبس من
ضيائه فأصابتنا شظاياه
بالله سل خلف بحر الروم عن عرب
بالأمس كانوا هنا ما بالهم تاهوا
أين الرشيد وقد طاف الغمام به
فحين جاوز بغداداً تحراه
ماض نعيش على أنقاضه أمماً
ونستمد القوى من وحي ذكراه
إني لأعتبر الإسلام جامعة
للشرق لا محض دين سنّه الله
أرواحنا تتلاقى فيه خافقة
كالنحل إذ يتلاقى في خلاياه
دستوره الوحي والمختار عاهله
والمسلمون وإن شتوا رعاياه
ويقول الأستاذ أحمد الجدع: "زار الشاعر محمود غنيم بلاد الأندلس، تجوّل في ربوعها .. زار قرطبة .. إشبيلية .. غرناطة، طافت به ذكريات الماضي .. ماضي أجداده من المسلمين عندما كانوا لهذه الربوع حكاماً وسادة .. كانوا لها سادة عندما حكموها باسم الله وبشرعه المبين، فلما انحرفوا ونسوا ذكر الله انتزعها منهم من هم دونهم، وضاعت من أيديهم. وفزع الشاعر إلى قوافيه يبثها الشكوى وينفث في كلماتها حرقته على ما ضاع من بلاد الإسلام.
وفاته
انتقل إلى رحمة الله سنة 1392ه 1972م، بعد عمر طويل قضاه في الدفاع عن الإسلام وقضايا المسلمين، ودفن بالقاهرة رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
ـ[ساره]ــــــــ[06 - 01 - 2009, 12:45 ص]ـ
أهلاً بك أخي
..
أثارت احدى الأخوات فضولي حول الشاعر محمود غنيم, فلم أجد بُداً من سؤالكم
..
ما لي وللنجم يرعاني وأرعاه
أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه
أبيات مزلزله
ودراسه رائعه .. ستفيدني كثيراً
بارك الباري فيك على جهدك
ـ[منصور مهران]ــــــــ[06 - 01 - 2009, 02:17 ص]ـ
حدثني الأستاذ الكبير حسن كامل الصيرفي - رحمه الله - كثيرا عن نوادر الأدباء والشعراء، ومن ذلك أن محمود غنيم كان المفتش الأول للغة العربية بوزارة التربية والتعليم، وفي إحدى زياراته التفتيشية لمدرسة من المدارس أبدى إعجابه بطالبٍ نبيهٍ يحفظ كثيرا من الأشعار وكان الطالب ينشد بحماس وسرعة ثم أنشد أبياتا لمحمود غنيم فقال المفتش محمود غنيم: لمن هذه الأبيات يا بُنَيّ؟
فقال الطالب: للشاعر محمود غنيم رحمه الله
فارتجف مدرس الفصل خوفا من الشاعر محمود غنيم الماثل أمامهم بصفته المفتش للغة العربية.
فقال محمود غنيم: بشرك الله بالخيرات يا بني إذ بشرتني برحمة الله فقد وَسِعَت كل شيء، وضحك ليطمئن المدرس المسكين والطلاب أيضا.
ومن عجائب المقدور أن هذا الطالب تخرّج في كلية دار العلوم وصار من روّاد ندوات الشاعر محمود غنيم لا يفارقه حتى وفاته.