إلاّ أن المعافى بن زكريا (-390هـ) في الجليس الصالح لأبي نواس، روايةً عن ثعلب عن أحمد بن حنبل [!]، قال:
مررت بالبصرة وجماعة يكتبون الشعر عن رجل، فقيل لي هذا أبو نواس، فتخللت الناس ورآني، فلما جلست أمل علينا [برواية مختلفة]:
إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقل=خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ
ولا تحسبن الله يغفل ساعةً=ولا أن ما يخفى عليه يغيب
لهَونا لعمر الله حتى تتابعت=ذنوبٌ على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى=ويأذن في توباتنا فنتوب
قال محمد بن العباس: فحدّث أبي بهذا عبد الله بن المعتز وأنا حاضر أسمع فأنشده الأبيات، فقال لنا عبد الله: هذه الأبيات لأبي نواس من زهدياته!!.
ويبدو أن لهذا اللغط حول الأبيات أصلاً،
فقد روى المعافى بن زكريا أيضاً:
حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، قال: حدثنا أبو العباس يعني أحمد بن يحيى قال، حدثنا عمر بن شبّة قال، حدثنا خلاد الأرقط قال: كنا على باب أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا أن الحجاج كتب إلى قتيبة بن مسلم: إني وإياك لِدَةٌ، وإنَّ امرءاً قد سار خمسين حجَّةً إلى منهل لقَمِنٌ أن يرِدَه.
فأدَرْنا ذلك بيننا وجعلناه شعراً فقلنا:
وإنَّ امرءاً قد سار خمسين حجةً=إلى منهلٍ من ورده لقريب
قال خلاد: وقلت أنا وانفردت بهذا البيت:
ومن كان في الدنيا على حال قلعةٍ=وإن طال فيها عمره لغريب
ثم قال:
وقال أبو بكر الأنباري، وأنشدنا أبو علي العنزي قال، أنشدنا أحمد بن بكير الأسدي [لا يدل هذا على أنها لابن بكير، ولكنني أوردتها لاختلاف روايتها]:
إذا ما خلوتَ الدهرَ يوماً فلا تقل=خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ
وإنّ امرءاً قد سار خمسين حجّةً=إلى منهلٍ من وِرده لقريب
إذا ما انقضى القرن الّذي أنت فيهم=وخُلّفتَ في قرنٍ فأنت غريب
نسيبُك من أمسى يناجيك طرفه=وليس لمن تحت التراب نسيب
فأحسن قروضاً ما استطعت فإنّما=بقرضك تُجزَى والقروض ضروب
ولا تحسبنَّ الله يغفل ساعةً=ولا أنّ ما يخفى عليه يغيب
وأما أبو حيان التوحيدي (-400هـ) في: أخلاق الوزيرين، فأورد:
قال ابن عباد لنُدَمائه: ما أول قول الشاعر:
وأَن غداً للناظرين قريبُ
فقال الخُوارزمي: أوله:
أَ لم تَرَ أَن اليَومَ أَسْرَعُ ذاهِبٍ
وقال ابن الأعرابي: تمامها لنصيح بن منظور الفقعسيّ، وهو:
إذا ما خَلوتَ الدَّهرَ يوماً فلا تقلْ=خلوتُ ولكن قل عَلَيَّ رقيبُ
فلا تَحسَبَنَّ الله يَغفَلُ ساعةً =ولا أنَّ ما يخْفى عَليْه يَغيبُ
فَأَحسِن وأَجْمل ما استَطعتَ فإنما=بقَرضِك تُجْزَى والقُروضُ ضروبُ
فلا تَكُ مَغروراً تَعَلّلُ بالمُنَى=وقُل إنما أُدْعَى غداً فأُجِيبُ
أَ لم تَرّ أَنَّ اليومَ أسرعُ ذاهبٍ=وأَنَّ غداً للنّاظرين قريبُ
وأنَّ المَنايا تحتَ كل ثنيَّةٍ=لَهُنَّ سِهام ما تَزال تُصيبُ
ذهَبْن بإِخوَان الصَّفاء فأَصبَحَتْ=لهُنَّ علينَا نَوبَةٌ سَتَنُوبُ