و الإيقاع ينقسم إلى جزئين الأول:- " التناغم الشكلي " الذي يتضمن في رأيه إيقاع المفردات بالنظر إلى بنيتها المقطعية، وتبيان التناغم الذي تحدثه الظواهر الصوتية في بعض مفرداته،وإيقاع الجمل التي تقوم بنيتها على أساس التصدع،وتقوم حركتها بتقديم تشكلات مقطعية؛ وفاعلية نبر وفاعليات صوتية ودلالية. الثاني:- "التناغم الدلالي " الذي يضم إيقاع التواصل؛ أي انسجام حركة الدلالات فيما بينها؛مما يدفع إيقاعاً يحمل خصائص متشابهة؛ مما يفيد ولادة حركات جديدة،قد تحمل خصائص مغايرة ". (5)
فالإيقاع هو السبيل الذى يستند إليه الشاعر فى حركة المعنى، و موسيقى الشعر ليست الوزن السليم،وإنما الموسيقى الحقة هي موسيقى العواطف والخواطر،تلك التي تتواءم مع موضوع الشعر،و تتكيف معه.
و قد يكون الإيقاع "وحدة النغمة التي تتكرر على نحو ما في الكلام أو في البيت،أي توالي الحركات والسكنات على نحو منتظم في فقرتين أو أكثر من فقر الكلام، و الإيقاع في الشعر فتمثله التفعيلة في البحر العربي .. فحركة كل تفعيلة تمثل وحدة الإيقاع في البيت أما الوزن فهو مجموع التفعيلات التي يتألف منها البيت،قد كان البيت هو الوحدة الموسيقية للقصيدة العربية " (6)
فالإيقاع وحده نغمية صغرى على هذا الأساس والوزن هو وحدة نغمية كبرى هي البيت وإذا كان الإيقاع تمثله التفعيلة والوزن جماع للتفعيلات أليس من الأولى أن نسمي الإيقاع عنده وزناً و العكس
والشعر عند غنيمي هلال ضرب من الموسيقى إلا أنه تزدوج نغماته بالدلالة اللغوية.
وهناك مصطلح آخر هو التوزين و هو مرادف للوزن، فالشعر لا يقف عند حد التوزين بل ينطلق إلى ما يسمى (الإيقاع) و التوزين يقصد به " تعادل أجزاء الكلام والأصوات وتساوي مقاديرها الزمنية فيما إذا قوبل بالبعض الآخر جملة ". (7)
أما مصطلح النموذج العروضي فهو التتابع الرياضي المنتظم لـ (التفعيلات) فيما يسمى البحر الشعرى، أما الشكل الموسيقي المتحقق فهو يختلف حسب الممارسة الإبداعية لكل شاعر، و الفرق بين المصطلحين هو طريقة الإبداع الشعرى؛ أى ليس هناك تطابق بين الشكل الموسيقى و النموذج العروضى.
إن وجود هذه الظاهرة تفرض علينا قراءة غير عروضية،فالشكل العروضي يخفي تحت أشطره وأبياته شكلاً آخر تفرزه طبيعة التركيب اللغوي وأغلب الباحثين يتفقون على أن الخليل لم يدع حصر جميع إيقاعات الشعر العربي " فلم تكن الأوزان التي استنبطها الخليل بن أحمد وما وضعه لها من قواعد هي القول الفصل في أمر موسيقى الشعر لا في عهد الخليل وعهد تلاميذه،ولا فيما سبقه من عهود أو ما لحقه منها.
إن العروض العربي،ليس إلا نظرية في إيقاع الشعر العربي،وإن كانت هي النظرية التي قدر لها السيادة لأسباب بعضها يتعلق بتكاملها المنهجي – على الأقل شكلياً – وبعضها يتعلق بالظروف التي عاش فيها هذا العروض والشعر العربي نفسه،"أي في ظل مجتمع لم ينجح في أن يخرج خروجاً جذرياً عن إطار الظروف الاجتماعية والفكرية التي أنتجت العروض ". (8)
فليست القصيدة العربية القديمة مفككة كما قد تبدو، بل شغل العربي بموسيقاها واصبح ينفعل لكل بيت، ويستجيب لوزنه وإيقاعه، فالشاعر لشدة اعتزازه بموسيقاها قد أحل نفسه من وحدة المعنى فيها، مكتفياً بوحدة الوزن والقافية (وهذا يدل على اهتمامه الموسيقي).
وإن تحديد الشعر بالوزن والقافية اخذ يضطرب " وقد نشأ ميل إلى التشكيك في أن يكون مجرد الوزن والقافية مقياس للتمييز بين الشعر والنثر. " (9)
غير أن هذا لا يعني رفض الوزن والقافية أو التخلي عنهما إنما يعني أنهما لا يمثلان وحدهما حصراً للشعرية ولا يستنفدانها وأن هناك عناصراً شعرية غيرهما، و أصبحت المسالة شعراً أو لا شعراً.
وقد تنبه الفلاسفة المسلمون إلى دور الوزن الشعري،فهو عندهم ليس الذي يميز جوهرياً بين الشعر والنثر، " وحجتهم في ذلك ان هناك أقوالاً موزونة ولا تعد شعراً فليس للوزن نفس القيمة التي تتمتع بها المحاكاة (التخييل) ". (10)
وفاعلية التخييل لا تنفصل عن البنية الإيقاعية فلا قاعدية للوزن و شعرية النثر لا تجئ من الوزن والقافية بالضرورة، وإنما تجئ من النظم، ويعني النسق الذي تأخذه الكلمات. وهذا ما يطلق عليه طريقة الأداء.
¥