تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من أدب الأطفال: محفظَتِي

ـ[سعد مردف عمار]ــــــــ[06 - 12 - 2009, 10:46 ص]ـ

يا محفظتِي الحبيبةَ، غدًا سيكونُ أول يومٍ من السنةِ الدراسيةِ الجديدةِ، وها إنني أرى شهورَ العطلةِ الصيفيةِ وقد تقضَّتْ عنْ آخرِها ومرَّ لهوُها، وعبثُها، وانتهتْ معَها أيامُ سجنكِ بين رفوفِ المكتبةِ، فما أسعدَني بكِ، وأنتِ تتأهبينَ لمرافقَتي الدائمةِ إلى المدرسةِ، فامكثِي ليلتَكِ، هذه إلى جانبِي، وانتظرِي، معي، بزوغَ فجرٍ جديدٍ.

آهٍ يا محفظَتي، إنَّ لي معكِ، ذكرياتٍ عذبةً كنسمَاتِ الصباحاتِ التي سرْنا فيها معًا، وأنا أتناولك من محملِك اللطيف، أو أضعكِ على ظهريَ الصغير، فأشعرُ بنعومتكِ، وأنت تلامسِينَ كتفَيَّ، وأعْبُقُ بطيب فوحك وأسيرُ فأراكِ هادئةً وديعةً، وأسرعُ فتهتزّينَ كأنكِ ترقصينَ، وأمرُّ على أصدقَائي، فلا يملكونَ إلا أنْ يطربُوا لألوانكِ الزاهيةِ البديعةِ، و أصفَرِك الفاقعِ، و أحمرِك القاني وقفلِك الذهبيّ البرَّاقِ لكأنكِ صندوقٌ للعجائبِ.

أنتِ يا محفظتي بيتي الصغيرُ، بل عالمي الكبيرُ ففي أحضانكِ، نامَتْ أدواتي، وأشيائي العزيزةُ في أمانٍ ونظرةٌ في ثناياك تشعرُني بدفءِ الحياةِ، وسعادةِ لحظاتِها، فكمْ كنْتِ أماًّ رؤوماً لدفاترِي، وكتُبي، فصُنتِها من مطرِ الشتاءِ، وعصْفِ الرياحِ، وحفظتِ في جانبيكِ مقلمَتي وما حوَتْ، من أن تطالَها يدٌ بسوءٌ، أو أنْ يصيبَها مكروهٌ، وعلى مَهْدِكِ الوثير طابَ لمسطرتي الصغيرةِ، الرشيقةِ أنْ تستلقيَ بسلامٍ.

وكم كنْتِ لينةَ الجانبِ على لوحتي، مسْرحِ حُروفي، وكلماتي، وملعَبِ أرقامي، وحساباتي، فذُدْتِ عنها بجلدِك السميكِ الجميلِ أن ينالَها كسرٌ، أو خدشٌ مهما وقعْتِ معي، أو تعثَّرنا في مسالكِ الطريقِ.

وقد حفظْتِ لي عجيني، فذهبَ سالمًا، وعادَ غانماً، ولم يُفقِدْه برد الهواءِ، ولا غبارُ السككِ لينَ عريكتِه، وعاشَ طيعًِّا بين يدَيَّ.

وكمْ حاولَ أخي الصغيرُ , أن يعبَثَ بما فيكِ من كنوزٍ، فكنتِ أمينةً، وتأبيَّتِ عليه فرجعَ من حيثُ أتَى، ولم يظفرْ بأنْ يطَّلعَ على أسرارك، هكذا ألِفْتُك لا تأذنينَ لأحدٍ غيري بأنْ يقرَبَ أشياءَك، أو تمتدَّ يدُه إلى قطعة طباشيرَ، مهمَا كانَ لونُها، وحجمُها إلاَّ بإذْني، وكلُّ هذا بحسْنِ رعايتِكِ.

فيكِ يا محفظتي تعيشُ ليلَى، ومصطفَى، وفي دُفَّتَيكِ أبي وأمِّي وهرُّنا اللطيفُ، وكلبُنا " بُوبِي "، وبين طيَّاتِكِ حكاياتٌ عذبةٌ عن أصدقائي وعْن بلادِي، ومدرسَتي، حكايات تعيشٌ في سلامٍ، لا يمحوها ليلٌ، أو نهار، لأنها تنامُ في أحضانِك، وأوقظُها متى أشاءُ!

آهٍ يا محفظتي، دُومِي لي بأنفاسِكِ العذبة، ورائحتِكِ الحنون، وأنا سأبقَى لكِ وفيًّا، ولعهدِك حافظًا ما رَنَّ جرسٌ في ساحَةِ مدرسَةٍ ...

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير