تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فيهن يتجلى الوطن]

ـ[شذا الجوري]ــــــــ[20 - 10 - 2009, 05:09 م]ـ

[فيهن يتجلى الوطن]

بقلم: د. ابتسام بنت زيدان التميمي *

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

إذا كان الشعر ذكرا فالقصيدة أنثى؛ ولا يستقيم أحدهما دون الآخر، وما الشعر إلا قصائد تتوالد لتطربنا بفن جميل راق. هكذا نحن وهكذا هم؛ فالمرأة منذ الأزل هي الأرض، هي العطاء، هي الأمن والأمان والحماية، هي من تقف في الأمام وفي الخلف، بل عن اليمين والشمائل؛ محفزة، ومحمسة، وربما مؤلبة.

كل ذلك من أجل ماذا؟! من أجل عاشق؟! من أجل حبيب؟! من أجل أب؟! من أجل أخ؟! من أجل ابن؟! أو من أجل زوج؟!

تفعل ذلك بنفس راضية تارة، مولهة أخرى، ثكلى ثالثة، وجذلى رابعة ...

وهكذا هي تفعل كل ما تفعل من أجل حبيب ضم كل أولئك الرجال، وسيضمها وأخواتها في منظومة فريدة.

الوطن ذلك الحبيب الذي يتماهى .. الذي يلوح .. الذي يبعد .. ويقرب ..

الحبيب الذي لا تحاسب أنثى على إعلانها حبه .. وتغنيها بعشقه .. بل يردد ذووها ما تغنت به فرحين .. لا ثأر .. ولا منع .. ولا عقوبة .. ولا حماية أو وصاية .. هو الحبيب الذي تناجيه .. وهو الطفل الذي تناغيه .. وتحمله في أحشائها مباهية به .. وراسمة له مستقبلا يفوق حاضره .. ومتأملة في ماض مجيد قد عاشته أو سمعت عنه.

هكذا هي الأنثى مذ نفخت فيها الروح وهي تعالج الوجد وتغني للوطن، بل إن تلك الصرخة التي تطلقها حين تخرج من الرحم ما هي إلا صيحات شوق لم تستطع كتمانها: (1)

يا أنت ما أحلاك أغنية راقصتها في السر والعلن

لي فيك سر الوَجْد مذ نُفِخَتْ روحي، وحتى يُنْتَضَى كفني

ما صرختي لما ولدت سوى إجهاشة بالشوق تخنقني

هل حال فيما بيننا رحم وسناك في أقصاه يبلغني؟!

وتنمو تلك الصغيرة .. وينمو معها ذاك الشعور الذي تطرز كل ما حولها به .. فتغزل اسمه مع الصغار، وتنقش رسمه: (2)

قالوا:

غزلنا وجهه،

من ضفة الشمس ..

كنا صغارا،

نقرأ الألواح،

نصطف كالأزهار،

نكتب اسمه ..

وطني ..

تويجة النفس ..

و

ط

ن

ي

سحابة الطقس ..

و

ط

ن

ي

هدية الإله ..

وتكبر ويكبر الحلم؛ فتصوغ صورة فارسها، وترسم لوحات عشق سريالية تبث فيها ما تود قوله: (3)

ولأنت لوحة عاشق مجنونة ألوانها يبدو بها التصميم

خمرية الألوان لحظ عيونها سحر وعطر الحب فيها شميم

وشذاها ممزوج بروعة حسنها فاسكر بها فالسكر فيها نعيم

لكنها لا تكتفي بتلك المشاعر، أو العبارات؛ فتؤيد القول بالفعل، ولا تثريب عليها؛ فمعشوقها غير كل العشاق: (4)

أُغاويكَ .... ..

أعرفُ .. أي َّ الأغاني تَلهَّى ...

وأيًّا ... فَتنْ!!

ومن مثل المرأة في حسها، وخبرتها بطرائق الحب العفيف .. !!

من مثلها حين تبوح بمشاعرها فتغمر الكون بحب هذا الحبيب على الرغم مما قد يعتريه من حالات تتقلب بين الرضا والغضب: (5)

أحبك حين تضجّ السماء!

ويهدر حب بذاك السحاب!

وينهمر السِّحْر فوق التراب!

بقطرات رحمة!

..

وحين يجف مداك ..

ويمتشق الكون سيف الغبار ..

ويغفو المحب ببوح النخيل ..

ليبدع حلمه!

وما زالت الأنثى تصوغ مظاهر عشقها التي تسربها لمن حولها، ولمن سيصبح قطعة منها: (6)

قالت:

بشعري ضفائر،

طرزتها ..

من سعف واحات الوطن ..

تلك الصحاري،.

توسدت ..

ذهبا.

يزين معصمي ..

وأنا،

وأطفالي،

وتلكم جارتي،

صغنا ليوم العشق،

عطرا من دم،،.

أهذا كل شيء!! لا .. فلم تنته تلك الملحمة العشقية؛ فهذا المحبوب يعادل الروح، ويفدى بكل شيء مهما غلا؛ وليس لدى المرأة أغلى من ابنها؛ لذا فهي تجاهد به عن طريق تربيته التربية الإسلامية القويمة التي يعرف بها ربه ورسوله ومن ثم وطنه: (7)

وأنت عندي عديل الروح يا وطني أحمي حماك وأفديها وذا قسمي

إما ظمئت فعهد الله في عنقي أروي ثراك وما فوق الثرى بدمي

إن كنت أنثى ولا أقوى النزال فقد أرضعت طفلي فكرا صافي القيم

علمته أن حق الله خالقه والمصطفى فوق حق الأهل والرحم

وليس ثم – ورب البيت - بعدهما إلاك يا موطنا يعلو على القمم

لك الولاء فلا أم ولا ولد تغني شفاعته عن أوثق الذمم

ويزدان العطاء حين يتوج بالفداء والتضحية وكتمان الأحزان والآهات حتى لا تتكدر صفحة الأحباب، بل تزهر رياضهم، وتمطر سماؤهم، وتبسم شفاههم: (

أتيتك ..

خبَّأت كل عناوين حزني ..

لأمنحك الحب – يا موطني –

.

.

بأحضان بسمة!

بأحضان بسمة!

ويمتد نهر العطاء .. وتتنوع طرائقه .. وتتوشح بعقل الأنثى وقلبها .. بروحها وحسها .. فتنثال وتنثال .. ولا تتوقف إلى أن يشاء الله ..

ستغني للوطن .. وتغازله .. وتناغيه .. وتجاويه .. بل وتغاويه ...

ثم ستترك كل ذلك منتقلة إلى طور آخر؛ فهي لم تعد – الآن – الأنثى المحبة فقط .. وإنما هي لمحة من ملامح ذاك الوطن .. بل هي الوطن: (9)

تُغنِّي .. ؟! ...

على الرِّسْل .. ما قلت: غَن ّ!

أُجاويكَ .... !

أنَّى تُطوِّح ... وهما وَظنْ؟!

أنا – فاتئدْ –

لستُ "أنثى" تُغَنِّي ..

أنا .. لمحة .. من وطنْ!!

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ

الحاشية:

(*) أستاذ الأدب المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن.

(1) أماني الشيبان، من قصيدة: غناء في حضرة الوطن.

(2) زينب غاصب، من قصيدة: وجوه على ضفاف الوطن.

(3) مزنة المبارك، من قصيدة: وطني.

(4) د. فاطمة القرني، من قصيدة: صباحي ... وطن ... !

(5) أحلام الحميّد، من قصيدة: حنين بأهداب غيمة.

(6) زينب غاصب، القصيدة نفسها.

(7) لمياء العقيل، من قصيدة: عديل الروح.

(8 أحلام الحميد، القصيدة نفسها.

(9) د. فاطمة القرني، القصيدة نفسها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير