تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الرواية الجزائرية أمل الانتظار وخيبة التلقي.]

ـ[حبيب مونسي]ــــــــ[03 - 12 - 2009, 08:51 م]ـ

الرواية الجزائرية

أمل الانتظار وخيبة التلقي

"ويصحو الحرير" لأمين الزاوي نموذجا.

أ. د. حبيب مونسي

كلية الآداب جامعة سيدي بلعباس

1 - قراءة الرواية/أمل الانتظار:

لا ينكر أحد من الدارسين تدني مقروئية الرواية بشكل خطير في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي اليوم في مطلع هذا القرن، تعاني خطر الزوال النهائي، والتصفية التي ستجعلها أثرا بعد عين، وترمي بها إلى متاحف الفن، باعتبارها نشاطا إنسانيا أدى دوره الفني والتربوي، ثم تراجع ليفسح المجال أمام نشاطات أخرى، أكثر جاذبية، تغذيها الصورة والصوت، بما اكتسبت من قوة التأثير والجذب.

ذلك هو التفسير السريع الذي يهرع إليه العديد من الناس حينما يسألون عن الوضعية المزرية للمقروئية، فيتهمون السمعي البصري باكتساح الساحة الفنية، لوفرته وزهادة أسعاره. غير أنهم لا كلفون أنفسهم عناء البحث في الظاهرة ذاتها. أي في الرواية نفسها. لأن الفحص فيها أولا هو الذي سيكشف عن أسباب التراجع ابتداء، ثم عن دواعي الاختفاء والتلاشي انتهاء.

حينما يقصد القارئ مكتبة، ويتجول بين رفوفها، تتكشف أمامه الكتب عارضة عناوينها الجذابة، في محاولة لإغرائه، واستدراجه، ليمد نحوها اليد، ثم ليقرأ منها السطر والسطرين .. لقد كلفت هذه الحركة على بساطتها المؤلف، والطابع، ومهندس الإخراج، وراسم الغلاف، ومصفف الحروف .. جهودا لا يمكن تصورها، حينما تتعارض رغبة المؤلف والناشر في عدد كلمات العنوان. يذهب بها الأول إلى أن تكون خير دليل على مقاصده التي جاهد من أجل بثها في النسيج القصصي. وينصرف بها الثاني إلى ما تمليه واجهات العرض من أسباب الإغراء ومصادمة الأحاسيس. فإن كان الأول يحدوه أمل الأدبية، فإن الثاني يبعثه أمل الربح. ويستجيب الباقون إلى شرطيهما استجابة ربما تتجاوز المقصد الفني والتجاري معا.

غير أن صاحبنا حين يمد يده إلى الكتاب، لا يلتفت كثيرا إلى الحقيقة التي ذكرنا منذ حين، وإنما يذهب إلى تلبية رغبة كامنة في النفس: رغبة حب الاطلاع .. إنه يريد أن يعرف ما جرى .. يريد أن يتطفل .. أن: «يتبنى بيسر دور مصاص الدماء الذي يجعل من قراءة الرواية متعة سادية، فإذا رفضنا هذه المتعة بدت الرواية باردة.» () لأن الفن الروائي -في حقيقته التي تقع خارج أسوار الفن- إنما هو سبر وكشف الأسرار، مادام الروائي الماهر هو ذلك الذي يساعدنا على إضاءة هذه الأجزاء المعتمة من الحياة، والتي يعسر علينا الولوج إليها من غير أدلاء يعرفون مسالكها ومجاهلها. فالروائي حينما يمسك بالقلم إنما يمسك – في حقيقة الأمر- بيد القارئ ليسلك به عبر الكلمات والتعبير فجاج النفس البشرية في لحظات قوتها وضعفها، في دروب عزها ومضايق ذ لها .. في ما لها وما عليها من تقلبات الحياة والعشرة الإنسانية. ومن ثم فإن دور الرواية كما فُهم من قبل فهما سليما، هو القيام: «بدور الكاهن المعرف، والمشرف السياسي، وخادمة الأطفال، وصحفي الوقائع اليومية، والرائد، ومعلم الفلسفة السرية» () وغير ذلك من الوظائف التي يمكن أن يتسع عدها إلى قوائم تطول كلما أعدنا النظر في حقيقتها الجوهرية.

قد يكون في مطمحها مطلب آخر لا تستبين لنا حقيقته الآن، بل نتحسسه حاضرا في كل سطر نقرأه، وفي كل موقف نقفه من سردها، وشخصياتها. وكأنها وهي تقوم بهذه الأدوار كلها إنما تطمح لأن تكون ضربا من الفن العالمي الذي: «يهدف إلى أن يحل محل الفنون الأدبية جميعا، ويمكن أن يكون في أيامنا شكلا معمما للثقافة ... إن الرواية تقدم في آن واحد: جاذبية "الحكاية" القاسية، والسجل الواسع للأصداء النفسية والاجتماعية والأنتولوجية والجمالية التي يمكن أن تشتمل عليها هذه الحكاية.» () فإذا كانت نشأتها -في سذاجتها الأولى والأولية- مجرد حكاية أحداث ترويها، فإنها مع تعقد الحياة، وغموض مطالب الذات وأشواقها، غدت تلبي: «حاجات أكثر سرية، وأشد باطنية، وأبعد عمقا إلى ما لا نهاية له.» () مادامت هيئة القارئ قد تغيرت، وانتقلت من التلقي الأولي الذي يستمع إلى الحكاية استماعا منفصلا، لا تعنيه أحداثها، ولا تؤثر فيه نتائجها، لأنها تقع على غيره، فلا تمسه ولا تؤذيه، إلى حال آخر، يجد فيه نفسه مرغما على تبني: «ومن الصفحة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير