[الرواية والتاريخ ..]
ـ[حبيب مونسي]ــــــــ[01 - 12 - 2009, 10:14 م]ـ
الرواية والتاريخ
عندما تطمح الرواية في أن تكون بديلا للتاريخ!!
قراءة في رواية الأمير للأعرج واسيني.
أ. د. حبيب مونسي
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة سيدي بلعباس.
قبل البدء:
هل تعيد الرواية اليوم في ظل فكرة نهاية التاريخ، إعادة كتابة التاريخ تحت الطلب من وجهة نظر إعادة صياغة الماضي لتفسير الحاضر والمستقبل.؟ ألم يكن التاريخ يوما سوى رواية لأحداث من زاوية فردية عايشت الحادث وأسبغت عليه رؤيتها الخاصة؟ أليست الرواية هي الأخرى رواية لحادث من زاوية فردية عايشت المتخيل وأسبغت عليه رؤيتها الخاصة؟ ألا يقرِّب هذا الطرح الشقة بين الرواية والتاريخ ليجعلهما نشاطا واحدا. يشتغل الأول على الواقعي، وينصرف الثاني إلى المتخيل؟ وما مسافة الفاصل بين الواقع والمتخيل؟ ..
هل يجوز للراوي انتهاك حرمة الواقع الحادث ليعيد موقعته في سياق متخيل، تتحول معه دلالته من معنى إلى آخر تمليه اعتبارات مضمرة تفرزها الصراعات الجديدة المصاحبة للعولمة؟ هل كان فيلم "آلام المسيح" " PASSION OF THE CHRIST " للمخرج الأمريكي "ميل جبسون" " Mel Gibson " عملا فنيا عن المسيح، يعيد تصوير آلام الصلب فقط؟ أم أن الفيلم عرض لتاريخ تجاهد اليهودية العالمية لإخفائه واستصدار وثائق البراءة منه؟ هل كانت "شفرة دافنشي" ل"دان براون" " Dan Brown" مجرد رواية تاريخية ذات نكهة بوليسية وحسب؟ أم أنها خلخلة لقناعات تاريخية متجذرة منذ 2000 سنة في الوجدان المسيحي؟ أم أنها ردة فعل يهودية على فيلم "آلام المسيح"، على سبيل رد الصاع صاعين؟ ...
هل يجوز لنا الساعة أن نرى في رواية الأمير للأعرج واسيني استكتابا للتاريخ من وجهة نظر تعيد تشكيل صورة الأمير في الوجدان الجزائري على غير الهيئة التي رسمها التاريخ الرسمي، وأن يسمعنا ويرينا منها مواقف لا تكاد تخطر على بال أحد؟
هل تسعى الروائية إلى أن تطرح نفسها اليوم بديلا للتاريخ بعدما انتهى التاريخ وتبدد في تعدد وجهات النظر والتفاسير والتأويلات .. إذ ليست نهايته في انتهاء الصراع كما زعم "فكوياما"" Francis Fukuyama " وإنما نهايته في انتفاء عدم اليقين الذي انجرت إليه التفسيرات الإعلامية المتعددة للحادث الواحد؟
1 - الرواية والتاريخ:
ليس من العسير على الدارس أن يسجل سلسلة الفروق التي تميز الرواية عن التاريخ جنسا، غير أنه حين ينظر إلى الألفاظ في دلالتها المعجمية الأولى سيجد تداخلا بين اللفظين، حين يلمس أن الرواية هي التي تسجل التاريخ، وأن ليس للتاريخ من قيامة إلا بها. وكأن الرواية في دلالتها المعجمية هي ذلك الضرب من القول أو التسجيل الذي يمكِِّن الحادث من الثبات والرواية زمانا ومكانا. ومنه يكون التاريخ سلسلة من المرويات التي يُستعاد بفضلها الماضي إلى خضرة الحاضر عبر اللغة.
أما إذا نظرنا إلى الرواية جنسا أدبيا كان لنا منها شأن آخر غير فعل الحكي الذي يستعيد الذكرى ويرويها، وإنما هي إنشاء وتكوين عبر اللغة لواقع متخيل أو حقيقي. فإن كان الواقع المحكي متخيلا كانت حكاية أو رواية أو قصة .. أما إذا كان الواقع المحكي واقعا حقيقيا منتهيا كانت الرواية تاريخا بالمعنى الاصطلاحي للكلمة. بيد أن ما يهمنا في هذا الموضع ليس الفرق بين الرواية والتاريخ، أو التداخل الحاصل بينهما، لأننا ندرك جيدا أن: «أن الرواية التاريخية من عمل الروائي أو الأديب , وتبدو فيها الذاتية والخيال واضحين للعيان , بينما رواية التاريخ من عمل المؤرخ , وتبدو فيها , أو ينبغي أن تبدو فيها , الموضوعية والواقعية , وهما من عناصر التكوين الرئيسية في العرض التاريخي , ومن هنا ينبغي أن نفرق بين طبيعة عمل الروائي وطبيعة عمل المؤرخ , من حيث المنهج , ومن حيث الهدف , ومن حيث الأسلوب.» () فالاختلاف إذن قائم بين الرواية والتاريخ على محورين: محور الذاتية والموضوعية والخيال والواقعية من جهة، ومحور المنهج والهدف والأسلوب من جهة أخرى.
¥