[آراؤكم حول هذه الدراسة]
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[23 - 10 - 2009, 10:10 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله .... وبعد:
سأعرض عليكم دراسة حول (رحلة امرئ القيس إلى القسطنطينية بين الواقع والخيال) للدكتورحسين سلمان جمعة
آرؤكم حول هذه الدرسة:
ليس جديداً أن يعرض باحث لهذه الرحلة؛ فقد سبقه بحاثة أجلاء وتصدوا لمعالجتها. ولعل هذا يزيد في دقة مناقشة القضية، وقد يسبق الوهم إلى أن الستار أسدل نهائياً عليها؛ ليجعل الولوج فيها – كما يُعتقد – غير ذي فائدة. ويبقى عزاء المرء لنفسه أن الرؤية الأدبية أو الإنسانية أو الاجتماعية لا تقف وحيدة الجانب عند وجهة نظر ما، كما أنه لا تستطيع حدود مهما كانت صارمة أن تنهي أية قضية فكرية. وهذا ما حفز النفس على معرفة رحلة امرئ القيس إلى القسطنطينية معرفة جديدة قوامها الأساسي دراسة شعره.
يحثنا المنهج على قراءة النص الشعري قراءة واعية متأملة دون أن يَفصل عن الظروف المحيطة به وبصاحبه، والوقوف على ملابساته التاريخية والاجتماعية والنفسية، ويدعونا في الوقت نفسه إلى معرفة آراء القدماء والمحدثين، والإلمام بأخبار الشاعر.
وهذا يدفعني إلى القول: إني لا أدعي السبق بعرض الحقائق جميعها في هذا المقال ولكني أسعى إلى توثيق رحلة الشاعر وتصحيح ما التصق بها من آراء زائفة، وأسعى إلى تصويب الرأي في وفاته لأجلو خرافة الحلة المسمومة التي قيل: إنها كانت سبب هلاكه في ديار الغربة والارتحال، وقضايا أخرى تتضح من الحديث عنهما.
الآن أستأذنك للرحيل لنتعرف سوياً على امرئ القيس الشاعر الجاهلي القديم الفحل الذي وضعه ابن سلام في طبقته الأولي (1). فهو لم يسبق الشعراء لأنه قال "ما لم يقولوا، ولكنه سبق العرب إلى أشياء ابتدعها، واستحسنتها العرب، واتبعته فيها الشعراء: استيقاف صحبه، والتبكاء في الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ" (2). لقد كان أحسن أهل طبقته تشبيهاً؛ وهو "أول من لطف المعاني، ومن استوقف على الطلول، ووصف النساء بالظباء والمها والبيض، وشبه الخيل بالعقبان والعصي، وفرق بين النسيب وما سواه من القصيدة" (3). وسبق عمر بن الخطاب هؤلاء جميعاً إلى معرفة قدر امرئ القيس وقيمة شعره فقال: "امرؤ القيس سابقهم – (يعني الشعراء) - خسف لهم عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصح بصر" (4). وقال علي بن أبي طالب: "رأيت امرأ القيس أحسن الشعراء نادرة وأسبقهم بادرة، وانه لم يقل لرغبة ولا لرهبة" (5).
وامرؤ القيس لقب له واسمه حُنْدج بن حجر بن الحارث بن عمرو (المقصور) بن حجر (آكل المرار) .. (6)، ولد في بلاد بني أسد (7)، وترعرع في بني حنظلة، وأقام بينهم حتى إذا شب وصلب عوده انطلق لسانه بالشعر متأثراً بخاله المهلهل الذي يعد أول من رقق الشعر (8). كما تأثر بمن سبقه من الشعراء مثل ابن خذام الذي أشار إليه الشاعر في إحدى قصائده (9):
عُوجاً على الطَّلل المُحيلِ لأننا نبكي الديار كما بكى ابن خِذامِ
كان امرؤ القيس غزلاً ميالاً بطبعه إلى اللهو، مستغرقاً يحب الشهوات طالباً اللذات. وشجعه على هذا السلوك مُلكُه وترفه وما منحه الله من جمال الوجه حتى قيل: إن الناس قيسوا بجمالهم إليهم (10). وفوق ذلك كله كان استعداده الفطري مقوياً لذلك السلوك فجاهر بغزله الصريح، وتحدث عن النساء بأسمائهن في أكثر من قصيدة. لهذا عده ابن قتيبة من عشاق العرب وزناتها (11). بيد أن المرء يلاحظ أن حياته لم تستمر على الشاكلة التي وصم بها؛ فمقتل أبيه غيّر سلوكه، وجعله رجل جد يسعى إلى الأخذ بثأره بعد أن كان رجل لهو يدب إلى حرمات النساء. فقد حرم الطيبات التي أحبها على نفسه وأقسم ألاَّ يصيب امرأة وألاَّ يغتسل أو يدهن أو يشرب خمرة حتى يدرك وتره من قاتلي أبيه. ويبدو أنه يملك همّة عالية وينطوي على نفس طموح إلى المجد، ولا أدل على هذا من شعره، الذي يقول فيه (12):
فلو أن ما أسعى لأدنى معيشةٍ كفاني –ولم أطلب- قليل من المال
ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ وقد يدركُ المجد المؤثل أمثالي
حمل امرؤ القيس عبء الثأر على عاتقه دون إخوته، وأخذ يعد العدة لحرب بني أسد وأظهر رغبة أكيدة في إعادة ملك أبيه وأجداده؛ فارتحل طالباً العون مرة من أخواله بني ربيعة، ومرة يستحث أبناء عمومته من اليمن وقبائلها (13). ولكنهم جميعاً انفضوا عنه بعدما أمدوه، بينما يرى أنه لم يشتف من بني أسد .. ويبدو أن الحظ قلب له ظهر المجن مع القبائل العربية؛ بل لعل مما زاد الأمر وبالاً عليه ما فعله المنذر بن جابر السماء. فقد جهز جيشاً كبيراً يطلب فيه عنق امرئ القيس، فهرب لاجئاً إلى (المعلى) – وكان من جديلة طيء- (14) ولم ينجه إلا دخوله في ملك الروم، وكانت بلاد الشام تابعة لقيصر بيزنطة. وقد ذكر ذلك في شعره مادحاً المعلى الذي أجاره ومنعه من المنذر (15):
كأني إذ نزلت على المعلى نزلت على البواذخ من شمام
فما مَلِك العراق على المعلى بمقتدر ولا ملك الشآم
يتبع
¥