[ملمح النبر في العروض العربي]
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[26 - 10 - 2008, 10:22 م]ـ
النبر من الملامح الصوتية البارزة في العروض العربي، ومع ذلك فإن غالبية العروضيين لا يكادون يولونه أدنى اهتمام، ومثلهم في ذلك مثل النحويين القدماء في تجاهلهم لدور النبر وخطره في بناء الجملة العربية، وما له من أثر في تحديد المعنى و توجيه سياق الكلام. وقد يكون لهؤلاء وأولئك بعض العذر في ذلك الإهمال حين نعلم أن وظيفة النبر في العربية لا توازي ما له من وظيفة في لغات أخرى كالإنجليزية مثلا. ومع ذلك فنحن لا نعدم الوقوف على بعض الأمثلة في التحليل العروضي تشي بمعرفة علمائنا المتقدمين بأثر هذا الملمح؛ فقد أورد الأخفش في كتابه القوافي فصولا تدور جميعها في هذا الفلك اللغوي الصوتي، وكذلك توسع التنوخي في هذا الموضوع بباب خصصه لبحث اللين في القوافي، وهو ما يدل على تزايد الاهتمام بدقائق علم اللغة والصوتيات بشكل عام.
ثم إن علماء التجويد، وهم أجدر الناس اهتماما بهذا العلم، قد بدأوا يتوسعون في الأبحاث المتعلقة بهذا التخصص الدقيق، وغرضهم الذي يتبين من متابعة جهودهم في هذا المجال لا يعدو أن يكون المحافظة على تجويد القراءة بما يحقق سلامة المعنى، ويزيل كل لبس قد تسببه قراءة من لا يفي الأصوات حقها من النبر المطلوب.
وقد لفت انتباهي مدى حساسية الأذن الإيقاعية عند طه حسين حين علق على بيت للمتنبي يقول فيه:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي
وهي من قصيدته التي مطلعها:
من الجآذرُ في زي الأعاريبِ ... حمرَ الحِلى والمطايا والجلابيبِ
قال طه حسين: "وربما كنت رديء الذوق، ولكني أحب أن أعجب بهذا البيت فلا أظفر بما أريد به من الإعجاب الخالص الذي لا يشعر به نقد ولا عيب. فما الذي يعجب في هذا البيت؟ أهو الطباق الكثير المتتابع ... وهذا الطباق نفسه قد يرضيني، لولا أني أجد في القافية انحدارا ثقيلا على السمع أشد الثقل. فأنت بين اثنتين: إما أن تجعل قوله (يغري بي) في مقام الكلمة الواحدة، فتنطق بها موصولة ولا تشعر بما فيها من التفرق لتستقيم لك القافية على نظامها الموسيقي المألوف، وإذن فقد أفسدت النطق وأسأت إلى الصوت اللغوي نفسه. وإما أن تنطق بهذه الجملة على وجهها، فتشعر بأن لفظها يتألف من فعل وحرف وضمير وتنبر الباء، إن جاز هذا التعبير؛ وإذن فقد صح لك النطق اللغوي، ونبت عليك القافية نبوّاً شنيعا".
طه حسين بذائقته الإيقاعية يتحير، وهو اللغوي العريق، بين التضحية بسلامة اللفظ عبر إنشاده الذي يراعي نبر الياء لكي تنسجم قافية البيت مع أخواتها في القصيدة كلها، وبين المحافظة على صحة النطق اللغوي من خلال نبر الباء وهو قبيح.
وهنا نجد عالما لغويا كبيرا وهو إبراهيم أنيس يفرق بين مستويين من النبر مستوى النثر الذي يقع النبر فيه على المقطع (يغ)، ومستوى الشعر الذي يعامل الكلمتين (يغري بي) كأنهما كلمة واحدة مثل (تعذيبي). وهو يرى الأمر طبيعيا، وكأنه لا يعبأ بحيرة طه حسين في اعتماد أي من المستويين في النبر، فهما عنده سواء طالما التزم القارئ بالنبر اللغوي في النثر، والتزم كذلك بالنبر الشعري في الشعر.
ـ[خشان خشان]ــــــــ[27 - 10 - 2008, 02:18 ص]ـ
.......... نعلم أن وظيفة النبر في العربية لا توازي ما له من وظيفة في لغات أخرى كالإنجليزية مثلا
أخي وأستاذي الكريم
هذه عبارة تصور الواقع على حقيقيته. وقد تاه قوم اعتبروا العروض العربي نبرا صرفا. وهم كما أعلم على صنفين:
1 - أجانب أو متأثرون بهم قسروا الوزن العربي قسرا على اعتباره نبرا
2 - عرب - ولا شك أنك تذكر أخانا الكريم - حددوا مقطعا من الوزن العربي مخصوصا واعتبروه منبورا وفي ذلك ما فيه من إطلاق تسمية النبر على جزئية خليلية تماما.
يرعاك الله.