[ما يجوز فيه التقييد والإطلاق]
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[21 - 05 - 2009, 05:54 م]ـ
قال الأخفش في كتاب القوافي:
"فأما ما يجوز فيه التقييد والإطلاق فالمتقارب، نحو:
كأني ورحلي إذا رُعتُها ... على جَمَزى جازئ بالرمالْ
وفي الرمل:
يا بني الصيداء ردوا فرسي ... إنما يُفعَل هذا بالذليلْ
وفي الكامل، نحو:
أبني لا تظلم بمكة لا الصغير ولا الكبيرْ
فليس شيء يجوز فيه التقييد والإطلاق غير هذه الأبيات الثلاثة وما كان على بنائها. وذلك لأن في بنائها شعرا اقصر منها وأطول، فمدوها عن الأقصر وقصروها عن الأطول، ألا ترى أن في المتقارب (فعولن) و (فعلْ) و (فعولْ) بينهما، وفي الرمل (فاعلاتن) و (فاعلن) و (فاعلانْ) بينهما، وفي الكامل (متفاعلاتن) و (متفاعلن) و (متفاعلانْ) بينهما، فجاز هذا "
قلت: قوله:" فليس شيء يجوز فيه التقييد والإطلاق غير هذه الأبيات الثلاثة وما كان على بنائها" يبيح لنا أن نضيف الهزج فهو على بناء تلك الأبيات الثلاثة نحو ما نبهتنا إليه الأخت مريم من قوله:
أيا من يدّعي الفهمْ
إلى كم يا أخا الوهمْ
تعبّي الذّنب والذّمّْ
وتخطي الخطأ الجمّْ
فنقول: وفي الهزج (مفاعيلن) و (فعولن) و (مفاعيلْ) بينهما، فهل عندكم ما تزيدونه على هذه الأبنية الأربعة؟ وحبذا لو جرى توثيقها سمعيا من خلال تسجيل لأنشودة أو غناء.
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[21 - 05 - 2009, 06:33 م]ـ
وفي المضارع (فاعلاتن) و (فاعلاتْ) و (فاعلن) بينهما، قال أبو نواس:
أيا ليل لا انقضيتْ ... ويا صبح لا أتيتْ
وأورد الدكتور عمر خلوف في كتابه (كن شاعرا) قول محمد العياشي:
لقد ضيعت عهودي ... رعى الله عهدها
وهكذا صارت تلك الأبنية خمسة، فمن يزيد؟
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[21 - 05 - 2009, 06:48 م]ـ
وفي المجتث (فاعلاتن) و (فاعلانْ) و (فاعلن) بينهما، قال نزار قباني:
تساءلت في حنانْ ... عن حبنا كيف كانْ
كما أورد الدكتور عمر خلوف في كتابه (كن شاعرا) قول روحية القليني:
يا رب طال سجودي ... وامتد حتى السحرْ
وهكذا صارت تلك الأبنية ستة، فمن يزيد أيضا؟ وهذا يدل على صدق مقولة الأخفش التي أشرنا إليها فلم تكن في عصره تلك الأبنية!
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[21 - 05 - 2009, 08:29 م]ـ
بارك الله فيك يا أستاذ سليمان
ونفع بعلمك وعملك ..
أقول: لقد حَدّ الأخفش في مقولته تلك (ثلاثة أبيات) يجوز فيها التقييد والإطلاق؛ (المتقارب والرمل والكامل).
ومع أن قوله: (وما كانَ على بنائها) من وجود شعر أقصر منها، وشعر أطول منها، يفتح باب الجواز لمثلها، إلاّ أنه ما كان له أن يحدّها بثلاثة أبيات، لأنّ في الضروب الخليلية ما هو مثيل لها:
ففي المديد: (فاعلاتن) و (فاعلانْ) و (فاعلن) بينهما. وهو ضرب خليلي معروف.
وفي مجزوء البسيط: (مستفعلاتن) و (مستفعلانْ) و (مستفعلن) بينهما. وهو ضرب خليلي معروف ايضاً.
وفي الطويل: (مفاعيلن) و (فعولن) و (مفاعيلْ) بينهما. وقد أجازه الأخفش نفسه، وشاهده:
غُويرٌ، ومن مثل الغويرِ ورهطهِ** وأسعد في ليلِ البلابلِ صفوانْ
وفي الخفيف (فاعلاتن) و (فاعلانْ) و (فاعلن) بينهما. وقد جاء في الشعر مثل قول الششتري:
طابَ شربُ المدامِ في الخلواتْ**اِسقِني يا نديمُ بالآنياتْ
ونظراً لمجيء المنسرح على الضرب (مفعولن)، واعتبارنا (المخلّع) مخلّعاً منه لا من البسيط، وضربه (مفعو)، جاز بينهما الضرب: (مفعولْ)، وقد جاء في قول ابن حجة:
ناديتُهُ والدموعُ طوفانْ**وقلتُ: هذي فِعالُ إنسانْ
ويتعلق بهذه القضية شيء آخر، فهم يجعلون المقيّد (فاعلانْ) في السريع أساساً له، ويعترفون بما قصر عنه: (فاعلن)، وكان عليهم أن يعترفوا بما طالَ عنه: (فاعلاتن)، وقد جاء في قول ابن المعتز:
يا ليلتي بالكرخِ هل من مزيدِ**إنْ لم تدومي هكذا لي فعودي
وأخيراً: فقد قيّد الشعراء جلَّ ضروب الشعر، ولم يلتزموا بما أراد الأخفش أن يقعّد له ..
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[22 - 05 - 2009, 01:34 ص]ـ
وفي المخلع (لاحق حازم) أيضا: (مستفعلاتن) و (مستفعلن) و (مستفعلانْ) بينهما. فمستفعلن نحو قول العقاد:
أبصرت بالموت في الكرى ... عميان لا يخطئ العددْ
ومستفعلان كقوله أيضا:
أدركنا موكب السنين ... في موكب الحب سائرينْ
وهما ضربان غير خليليين. فهل هذا ما قصدته بقولك " وفي مجزوء البسيط: (مستفعلاتن) و (مستفعلانْ) و (مستفعلن) بينهما. وهو ضرب خليلي معروف ايضاً" ولم تمثل لأي منها بشاهد، أم قصدت شاهد الخليل من مجزوء البسيط وضربه (مستفعلان):
إنا ذممنا على ما خيلت ... سعد بن زيد وعمرا من تميمْ
وهل ثمة من شاهد على (مستفعلاتن) في هذا المجزوء.
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[22 - 05 - 2009, 09:13 ص]ـ
لقد ظل الناس إلى يومنا هذا لا يذكرون الخليل بوصفه واضع علم العروض إلا وشفعوه بذكر الأخفش قائلين "واستدرك هذا الأخير بحر المتدارك فأصبحت عدة البحور عنده ستة عشر" أو نحو ذلك مما بات يولد عند القارئ انطباعا أنه ما كان لعلم العروض أن يكتمل إلا بمثل هذا القول السخيف .. السخيف لأن الخليل نفسه حدد هذا البحر في دائرته الخامسة وعده مهملا، والأكثر سخافة منه لأن من زعم استدراكه زاده إهمالا، بتلك الشواهد المصنوعة، على إهمال طوال القرون الماضية.
فإذن، أي فضل يبقى للأخفش في تطور مسيرة هذا العلم غير هذا الاستدراك المزعوم الذي سخفناه.
لقد عرفنا بأن الخليل وضع الدوائر الخمس التي تحيط بكامل أوزان الشعر العربي ما استعمل منه وما أهمل، وعرفنا أيضا بأنه جعل مفاهيم معينة سبيلا لإنتاج المزيد من أوزان تلك الدوائر حتى بلغت عنده ثلاثة وستين وزنا (ضربا)، وهذه المفاهيم هي:
1 - التدوير (وهو ما أخرج لنا البحور المهملة ومنها المتدارك).
2 - الجَزء، والشطر، والنهك (نحو مجزوء البسيط ومشطور الرجز ومنهوك السريع وخلافها).
3 - الزحافات والعلل اللازمة (وقد أنتجت العدد الأكبر من الأعاريض والضروب).
وهنا يأتي دور الأخفش في وضع لبنة أساسية في هذا الصرح العظيم، وهو المفهوم الرابع:
4 - التقييد والإطلاق (وهو ما أنتج لنا البحور المذكورة بأعلاه)
وهذا، في رأيي، هو الاستدراك الحقيقي والمثمر للأخفش على الخليل رحمهما الله.