تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بحور لم يؤصلها الخليل - المتدارك]

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[04 - 04 - 2009, 06:48 م]ـ

على الرغم من ضياع كتاب العروض للخليل، فلا نشكّ في أنه اعْتَبَرَ البحرَ الذي على (فاعلن فاعلن ... ) بحرًا مُهملاً ينفكُّ عن دائرة المتقارب.

ولا يُعقل أبدًا أن لا يُشير إليه الخليلُ بحراً مُهْملاً، لأنّ طريقتَه الفذَّةَ في فكّ البحور من دوائرها لابدّ أن تُخرِجَه من دائرته، بل إنّ إخراجَه أسهلُ من إخراجِ غيره من مهملات الدوائر الأخرى.

ولقد كانت إشارة ابن عبد ربِّهِ (-328هـ) إلى هذا البحر واضحةً في اعتباره مُهْمَلاً، لم يأْتِ عليه في الشعر أية شواهد، حيث قال:

وبعدَها خامسَةُ الدوائرِ=للمُتَقَاربِ الذي في الآخِرِ

ينْفَكُّ منها شَطْرُهُ .. وشَطْرُ=لَمْ يأْتِ في الأشعارِ منه الذكْرُ

كما أشار في رسمِ دائرة المتقارب عنده إلى موضع انفكاكه منها بقوله "مُهْمَل".

ولا شكّ أن اعتبارَه البحرَ الذي على (فاعلن) مهملاً له ما يُبرّره، فهو كغيره من مهملات الدوائر الأخرى، لم يكن له في جعبة الخليل الشعرية أيّ شاهدٍ أو دليل يدلّ عليه، بل لم توجد له شواهدُ حقيقية إلا في زمنٍ متأخر.

يقول المعرّي: وهذا الوزن "لم تستعملْه العرب".

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[04 - 04 - 2009, 06:50 م]ـ

وكما مرَّ معنا في بحر الخبب، فربّما كان أبو الحسن العروضي (ـ342هـ)، أقدمَ العروضيين المعروفين الذين ذكروا هذا البحرَ (مستعمَلاً)، عليه عددٌ من الشواهد الشعرية (القديمة والمحدثة)، إلاّ أنَّ جميع ما أورده من الشواهد كان على وزن الخبب لا المتدارك! ولذا سمّاه "الغريب".

ولكن ربّما كان الجوهري (-398هـ) بعده، أول من سمّاه (المتدارك)، وأصَّلَ قواعِدَه المعروفةَ إلى اليوم، فأفرَدَ له باباً خاصّاً في البحور، ونظمه على طريقة البحور الخليلية الأخرى، مُعدِّداً أعاريضَه وضروبَه، ومشيرًا إلى إمكانية وروده مجزوءاً. وأورد له بعض الشواهد المصنوعة للتمثيل.

وكان مَنْ أتى بعده عالةً عليه، فلم يتجاوزوا طريقتَه في التأصيل، ولا شواهدَه في التمثيل، وذلك على الرغم من هشاشة تلك الطريقة، وافتقادها إلى المنطقية التي تميّزَ بِها عروض الخليل.

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[04 - 04 - 2009, 06:54 م]ـ

لقد أصبح للمتدارك التام -عند الجوهري ومن جاء بعده- صورة واحدة يتركّب فيها بيتُه من (فاعلن) ثماني مرّات؛ أربعة في كلّ شطر:

فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن=فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن

ويُمثّلونَ له بأبياتٍ مفردةٍ، لا يُعرف قائلوها، وتبدو عليها الصنعةُ واضحةً، استغرقت فيها (فاعلن) جميعَ أجزاء البيت، أشهرها قولهم:

لمْ يدَعْ مَنْ مضى للّذي قدْ غَبَرْ=فضْلَ علْمٍ سوى أخْذِهِ بالأثَرْ

وقولهم:

جاءَنا عامرٌ سالِمًا صالِحًا=بعدما كانَ ما كانَ منْ عامِرِ

ثمّ يُجيزونَ أن ترِدَ فيه (فعِلن) أو (فعْلن) بدلاً عن (فاعلن)، أينما ورَدَتْ من حشْوٍ أو عروضٍ أو ضرب!

يقول الجوهري: "يجوز في كلّ جزْءٍ منه الخبن، فيبقى (فعِلن) "، "ويجوز في كلّ جزءٍ منه القطع فيبقى (فاعِلْ) ".

ومع ذلك فهم يُمثِّلون لذلك بأبياتٍ خببية، استغرقت فيها (فعِلن أو فعْلن) أو كلاهما معاً، دون (فاعلن)، جميعَ أجزاء البيت، كالذي يُنسب إلى عمرو الجنّيّ:

أَشَجَاكَ تشتُّتُ شِعْبِ الحيِّ=فأنتَ لهُ أرِقٌ وَصِبُ

فعِلن فعِلن فعِلن فعْلن=فعِلن فعِلن فعِلن فعِلن

وكالذي يُنسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

إنّ الدنيا قد غرّتْنا=واستهْوَتْنا، واستغْوَتْنا

فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن=فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[04 - 04 - 2009, 06:59 م]ـ

ثم يأتون للبحر بثلاثِ صورٍ مجزوءَةٍ، تغاضى عنها كثيرون، واعتبرها بعضهم شاذة، يتركب البيت فيها من (فاعلن) ستّ مرات، وتتراوح أضربُها بين (فاعلن أو فاعلانْ أو فاعلاتن)، وتتحد أمثلتها المفردة في معظم كتب العروض هكذا:

1 - قفْ على دارساتِ الدِّمَنْ=بينَ أطْلالِها وابكِيَنْ

فاعلن فاعلن فاعلن=فاعلن فاعلن فاعلن

2 - هذهِ دِمْنَةٌ أقْفرَتْ=أمْ زَبورٌ محَتْهُ الدهورْ

فاعلن فاعلن فاعلن=فاعلن فاعلن فاعلانْ

3 - دارُ سُعْدى بِشحْرِ عُمانِ=قدْ كَساها البِلى الْمَلَوانِ

فاعلن فاعلن فعِلاتن=فاعلن فاعلن فعِلاتن

[نظرًا لانعدام الشواهد الأخرى؛ يتوهم بعضهم أن هذا الضرب لا يأتي إلاّ مخبونًا (فعِلاتن). وقد جاءت العروض هنا كالضرب للتصريع كما هو واضح.

ويمثلون لزحافها بقوله:

دَرَسَتْ باللِّوى الدِّمَنُ=وعَفا آيَها الزّمَنُ

فَعِلن فاعلن فَعِلن=فَعِلن فاعلن فَعِلن

وقوله:

مَنْ يَدَعْ عيْنَهُ هَمَلاً=يُبْتَلى قلبُهُ بِحِسانْ

فاعلن فاعلن فعِلن=فاعلن فاعلن فَعِلانْ

وهذا أقصى ما انتهى إليه المتدارك عند العروضيين.

ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[06 - 04 - 2009, 09:29 م]ـ

ويتضح من جميع أمثلة البحر، وتعليقاتِهم عليه، أنّ ما هو مستخدمٌ فعلاً، وما أشاروا إلى قِدَمِهِ وصحّته، لا يخرج عن (فعِلن و فعْلن) دونَ (فاعلن) أبدًا، كالذي نُسِبَ إلى الجنّيّ، أو إلى علي بن أبي طالب، أو إلى أبي العتاهية، أو إلى الخليل ذاته، أو إلى من جاء بعدهم،

يقول الجوهري: "وشعْر عمروٍ الجنّي مخبون" كلّه.

ويقول ابن القطاع عنه: "استعمل مخبوناً".

ويقول الزمخشري: "غيرَ أنه جاءَ مخبوناً أو مقطوعاً"!

في حين يبقى ما جاءَ على (فاعلن) أمثلةً مفردةً مصنوعةً، غير منسوبةٍ لأحد، وُضِعتْ للتمثيل.

وهي لا تخرجُ عن (فاعلن) وبديلها (فعِلن) دون (فعْلن) أبدًا.

ولم يقدر صانعوا هذه الأمثلة على إيراد شاهدٍ مصنوعٍ واحد يخلط ما بين (فاعلن و فعْلن) على الإطلاق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير