[فخر العروض على العلوم]
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[31 - 01 - 2009, 09:46 ص]ـ
من رسالة المفاخرة بين العلوم
من كتاب صبح الأعشى للقلقشندي
بعد مفاخرات (علوم اللغة والتصريف والنحو وعلوم المعاني والبيان والبديع) ..
فقال "علم الشعر": أراكم قد نسيتم فضلي الذي به فضلتم، وصرمتم حبلي الذي من أجله وصلتم؛
أنا حجة الأدب، وديوان العرب؛ عليّ ترِدون، وعني تصدرون؛ وإلي تنتسبون، وبي تشتهرون، مع ما اشتملتُ عليه من المدح الذي كم رفَعَ وضْعا، وجلب نفعا، ووصَل قطعا، وجبَر صدعا؛ والهَجْو الذي كم حطَّ قدرا، وأخمَد ذكْرا، وجعل بين الرفيع والوضيع في حطيطة القدر نسباً وصهرا؛ إلى غير ذلك من أنواعي الشعرية التي شاع ذكرها، وأضواعي العطرية التي فاح نشرها؛ بل لا يكاد علم من العلوم الأدبية يستغني عن شواهدي، ولا يخرج في أصوله عن قوانيني وقواعدي حتى "علم النثر" الذي هو شقيقي في النسب، وعديلي في لسان العرب، لم يزل أهله يتطفلون عليّ في بيت يحلونه، ويقفون من بديع محاسني عند حدٍّ لا يتعدّونه.
فقال "علم القافية": إنك وإن تألّق برق مباسمك، وطابت أيام مواسمك، فأنت موقوفٌ على مقاصدي، ومغترفٌ من رَوِيّ مواردي؛ أنا عدّة الشاعر، وعمدة الناثر، لا يستغني عني شعرٌ ولا خطابة، ولا يستنكف عن الوقوف على أبوابي ذو تَرَسُّل ولا كتابة؛
طالما عثر الفحول في ميداني، وتشعبت عليهم طرقي فضلوا السبيل واختلفت عليهم المباني؛ فلم يفرقوا بين التكاوس والتراكب في التعارف، ولم يميزوا بين التدارك والتواتر والترادف.
فقال "علم العروض": لقد أسمعتَ القولَ في الدعوى من غير توجيه فدخل عليك الدخيل، وأوقعك الوصل دون تأسيس في هوة النقص: فهل إلى خروج من سبيل؟
أنا معيار القريض وميزانه، وعلي تُبنى قواعده وأركانه؛ لم يزل الشعر في علو رتبته بفضلي معترفاً، وبأسبابي متعلقاً؛ وبميزاني محررة، وأجزاؤه بقسطاس تفاعيلي مقدرة، وبفواصلي متصلة، وبأوتادي مرتبطة غير منفصلة.
فقال "علم الموسيقى": لقد أسرفت في الافتخار، فضللت الطريق وبِنْتَ عنها، وورّطتَ نفسك فيما لا فائدة فيه، فلزمت دائرةً لا تنفك عنها، وأتيت من طويل الكلام بما لا طائل تحته فثقُل قولا، وجئت من بسيط القول بما لو اقتصرت منه على المتقارب لكان بك أولى؛ فأنت بين ذي طبْعٍ وزّان لا يحتاج إلى معيارك في نظم قريضه، وآخر نَبَتْ طباعه عن الوزن فلم ينتفع من علمك بضربه ولا عروضه؛ فإذن لا فائدة فيك ولا حاجة إليك، ولا عبرة بك ولا مُعوَّلَ عليك؛ وكفى بك هضما، ونقيصة وذمّا، واستدلالاً على دحض حجتك، وضعف أدلتك، قول ابن حجاج:
مستفعلن فاعلن فعولُ=مسائلٌ كلُّها فضولُ
قد كان شعر الورى صحيحاً=من قبل أن يُخلق الخليل!
على أنه إن ثبتت لك فائدة، وعاد منك على الشعر أو الشعراء عائدة، فإنما تفاعيلك مقدّمةٌ لألحاني، وأوزانك وسيلة إلى أوزاني؛
نعم أنا غذاء الأرواح، وقاعدة عمود الأفراح، والمتكفّل ببسط النفوس وقبضها، والقائم من تعديلها وتقويتها بنقلها وفرضها؛ أحرِّك النفسَ عن مبدئها فيحدث لها الفكر في العواقب وتزايد الهموم والندم؛ فتارة أستعمل في الأفراح وزوال الكروب، وتارة في علاج المرضى وأخرى في ميادين الحروب، وآونة في محل الأحزان واجتماع المآتم، ومرة يستعملني قوم في بيوت العبادات فأبعثهم على طلب الطاعات واجتناب المحارم!؛ وآتي من غريب الألحان، بما يشبع به الجائع ويروي به الظمآن، ويأنس به المستوحش وينشط به الكسلان، وتدنو لسماعه السباع، ويعنو له بعد الشدة الشجاع، مع ما يتفرع عني من "علم الآلات الروحانية" التي تنعش الأرواح، وتجلب الأفراح، وتنقي الأتراح، وتؤثر في البخيل السماح، وتفعل في الألباب مللا تفعل في اللبات بيض الصفاح.
ـ[منصور اللغوي]ــــــــ[31 - 01 - 2009, 02:25 م]ـ
.. حجة الموسيقى قوية لا سيما و أنه أتى بقول ابن حجاج:) .. و لكن في الحقيقة لكل علم دور مهم في مجاله و لكل مجال علماءه .. شكرا لك يا دكتور عمر خلوف على هذه الجواهر التي تتحفنا بها:) ..